ويسرد الجنابي على مدى 67 دقيقة، بلغة سينمائية متفردة تجربته الشخصية مع الغربة التي يقول عنها في أحد المقاطع الصوتية بالفيلم: “لا أدري إن كنت اخترتها أم هي التي اختارت أن تسكنني”.
تسير الأحداث في تسلسل زمني منذ 1980 عندما بدأت الحرب بين العراق وإيران فما كان من أم قتيبة إلا أن حثت ابنها على مغادرة البلاد خوفاً من أن تفقده كما فقدت والده بسبب الحرب ولم تعرف مصيره.
ومن العراق استقر الجنابي في المجر لدراسة التصوير الفوتوغرافي والفنون السينمائية، وتعمقت غربته، إذ لم يكن الرجوع إلى الوطن خياراً قائماً.
وإضافة إلى التصوير والإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو يقوم الجنابي بدور الراوي في الفيلم، لكنه لا يتدخل كثيراً بالتعليق الصوتي تاركاً المجال للصور الفوتوغرافية، واللقطات التي صورها على مدى سنين غربته تتحدث عن الرحلة.
ولا يفوت المشاهد منذ اللقطات الأولى ملاحظة أن الجنابي اختار تسجيل معظم لقطاته من خلف حاجز زجاجي، يتخذ تارة شكل زجاج السيارة وتارة أخرى زجاج شباك قطار، لكنه دوما حاضر حتى يظن المتفرج أن من يقوم بالتصوير حبيس قفص زجاجي لا يملك إلا كاميرا لتسجيل معاناته.
ويظهر تأثر الجنابي بغياب الأب الذي يظل طيفاً مصاحباً له يزيد ويعمق شعور الفقد في نفسه، فقد الوطن وفقد الأب والسند.
المادة المصورة ثرية ومليئة بوجوه العابرين الذين مر بهم الجنابي في رحلته الطويلة، وكثير منهم له نفس ظروفه إذ خرجوا مجبرين من أوطانهم ليسكنوا بلاداً غريبة.
وقال الجنابي في نقاش بعد العرض العالمي الأول للفيلم أمس السبت بمهرجان دبي السينمائي الدولي، إنه استخلص المادة المعروضة بالفيلم من مئات ومئات الساعات التي سجلها على مدار ثلاثة عقود.
وأضاف أن الكاميرا كانت الرفيق في رحلته لذا حرص على أن تكون أداة توثيق لما مر به، وكان يعلم أنه ذات يوم سيقدم هذا الفيلم عن مشوار حياته.
وقال الجنابي: “لم أضع موعداً محدداً لتقديم الفيلم، كنت أصور وأسجل كل شيء لكن على مدى العام الماضي وجدت إدارة مهرجان دبي تتواصل معي وتحثني على الانتهاء منه ليكون جاهزاً للعرض في هذه الدورة”، وأضاف: “بالتأكيد شعرت بالارتياح لأني أنهيت هذا المشوار الطويل من التصوير والتوثيق لكن في الوقت ذاته أشعر بأن عرضه ومشاركته مع الجمهور أمر كبير سيغير كل حياتي”.
وعن كيفية محافظته على هذا الكم من المادة المصورة عبر السنين دون تلف قال الجنابي: “كنت شاباً صغيراً عندما بدأت المشروع لكني تسلحت بالذكاء، كنت دوماً أحافظ على مادتي الفيلمية، وكنت عندما أسكن في أي حجرة أو أؤجر شقة أبحث عن المكان المناسب لتخزين النيغاتيف”، وأضاف: “هذه المادة الفيلمية هي حياتي، هي أنا، هي كل ما مررت به وعشته.. أنا في هذا الفيلم لست المخرج، أو المصور، أنا قتيبة الإنسان”.