نازحات عراقيات يجدن في الأعمال اليدوية مصدراً للرزق

صوتها – بغداد

تضع لميعة رحيم على الأرض أمامها علبا من البلاستيك، وتبدأ بانتقاء الخرز لشكه في خيوط متينة، حالها حال رفيقاتها بإحدى مدارس سامراء التي تحولت مأوى لنساء نازحات وجدن في الأعمال اليدوية بابا لإعالة عائلاتهن بعدما شردها الإرهابيون.

قبل نحو عام، قررت إيمان أحمد كاظم (51 عاما) جمع نسوة غالبيتهن من محافظتي نينوى وصلاح الدين، كن نزحن من بيوتهن هرباً من المعارك التي كانت تخوضها القوات العراقية ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وبدء مشروع ليعود عليهن بربح مادي يمكّنهن من تأمين مصاريف الحياة.

داخل مدرسة أطوار بهجت بحي المثنى في سامراء شمال بغداد، تفترش النسوة الأرض داخل قاعات الدراسة التي أصبحت مشغلا تحييه ألوان الخرز الموزعة في المكان.

داخل إحدى الغرف التي غطيت جدرانها بقماش أزرق ورمادي، وفرشت أرضها بالسجاد، تمتد أعمال النساء قرب جهاز تدفئة كبير متوقف عن العمل، في رحلة تبدأ من ملوية سامراء، وهي منارة تعود إلى العصر العباسي، وصولا إلى برج إيفل في باريس.

تقول إيمان، وهي ناشطة مدنية، “بدأنا بشيء ووصلنا إلى شيء آخر. كنا نريد أن نقتل الفراغ (لدى النازحات) لأن الفراغ يولد المشاكل”.

وتضيف “استدرجنا العائلات بالأعمال اليدوية الحرفية، وخصوصا شك الخرز، ودربنا 125 امرأة على هذه الحرفة التي تعتبر فريدة وقليلة في العراق”.

من بين أولئك النسوة، لميعة رحيم (41 عاما)، التي نزحت من جنوب تكريت بعدما سوى المتطرفون منزل عائلتها بالأرض.

تقول: “لقد طال النزوح، وزوجي لا يعمل. تم احتضاننا هنا وتعلمنا حرفة (…) صارت معونة للعائلة”.

إلى جانبها، تجلس خولة جار الله (41 عاما)، التي فرت من المنطقة نفسها في العام 2013 إلى بغداد، حتى انتهى بها المطاف في سامراء بعدما واجهت وعائلتها ظروفا حياتية صعبة. وتقول “المشروع ساعدنا على توفير حاجياتنا. الحمد لله ظروفنا صارت أحسن”.

تتوزع كل عائلة داخل قاعة من قاعات المدرسة. في إحداها أيضا، يعلو صوت ماكينة التطريز الخشبية القديمة، المشابه لصوت رشقات الرصاص. لكن ذلك الصوت الذي تعرفه جيدا آذان النسوة الموجودات، لم يكن إلا حافزا للإبداع في الخياطة.

قرب النساء اللواتي يتجولن ويتفحصن الأثواب المطرزة الملونة والمعلقة على الجدران، تشير فوزية عزاوي إلى أن التطريز كان واحدة من هواياتها.

تقول الأربعينية الآتية من أطراف سامراء “دورات الحياكة هنا سمحت لنا بتطوير مهاراتنا، وبدأنا نخيط ملابس وبدلات بسيطة وأثواب حفلات تخرّج وغيرها”.

رغم الدقة والوقت والمجهود الذي يحتاجه عمل مماثل، فإن تسويق تلك المنتجات وبيعها ليس بالأمر السهل.

كل المواد التي يصنع منها النسوة إنتاجهن تأتي من تمويل خاص، وتعتمد أيضا على المشاركة في معارض وبازارات داخل العراق وتبرعات من بعض أبناء المدينة.

وتوضح إيمان في هذا السياق “نحن نعتمد على أنفسنا وعلى الخيّرين”. وتضيف “نحن في حاجة فقط إلى تسويق البضاعة، من قبل منظمات دولية أو مستثمرين. في كل دول العالم، للأعمال اليدوية ميزة خاصة، نريد ذلك في العراق خصوصا وأن أسعارها ليست مرتفعة”.

توضح صاحية المشروع أن الانتاج صار يعتمد حاليا على نحو 40 امرأة، بعدما عاد جزء من المتدربات إلى مناطقهن التي استعادتها القوات العراقية.

وتتابع “في البداية كانت الإيرادات قوية، أما اليوم، ففي أعمال الخرز مثلا ورغم أن الإنتاج أسبوعي، المردود لا يتخطى 300 دولار. أما في الخياطة فيصل إلى 600 دولار شهريا، لأن المنتوج لا يصرف بسبب منافسة البضائع الصينية الأقل سعرا”.

لذا، تعتمد النازحات العاملات حاليا، إلى جانب المردود الضئيل، على تبرعات من طعام وشراب ووقود.

شاهد أيضاً

التعنيف اللفظي والنفسي.. كابوس لم يُسلط الضوء عليه

آية منصور تبدو التربوية انتصار محمد، قلقة على بعض طلابها الذين وفي كل عام دراسي، …

error: Content is protected !!