المشاركة الاقتصادية للعراقيات.. هي الأقل في الشرط الأوسط

صوتها: تحقيقات

نور فرج

لنفترض ان هناك دائرة كبيرة تضم النساء العراقيات المستعدات للعمل، وان هذه الدائرة تحتوي على دائرة اصغر تضم النساء العاملات بالفعل، وانها بدورها تحتوي على دائرة ثالثة متناهية في الصغر تضم النساء في مواقع اتخاذ القرار.

لنفترض ايضا ان لدينا مئة امرأة ، 13 منهن فقط تمكن من اجتياز حاجز الدائرة الخضراء، و8من هؤلاء ال 13 فقط تمكن من الولوج الى الدائرة باللون الازرق الفاتح ، بينما استطاعت امرأة واحدة من هؤلاء ال8 ان تنجح في الوصول الى الدائرة الصغيرة الداكنة والتي تمتاز بقدرتها على السماح لمزيد من النساء بالدخول الى الدائرة الكبيرة.

لديك الان 87 امرأة يقفن خارج الدوائر الثلاث تماما، في اعتقادك انت..اي هذه الدوائر يجب ان توسع اولا للسماح لاكبر عدد ممكن من النساء 87 بالدخول الى الدائرة الوسطى باللون الازرق الفاتح؟

قبل ان تقوم باتخاذ قرارك..اليك بعض الحقائق كل دائرة من هذه الدوائر.

الدائرة الاولى: عدد قليل من النساء العراقيات مستعدات للعمل.

تقول سليمة محمد البالغة من العمر 50 عاما ” انا مسؤولة عن سبعة ابناء وزوج غير قادر على العمل، انهم جميعا في رقبتي ( تعني انها مسؤولة عن اعالتهم جميعا)”  لكنها _ على الرغم من ذلك_ أظهرت بعض الاستغراب ، عندما قمت بسؤالها اذا ما كانت هي قادرة على العمل، بدت وكأنها غير متأكدة من صلة السؤال بمشكلتها، فهي لا تعتقد ان حصولها على عمل يحل المشكلة!

  النساء في العراق  تقريبا لا يعملن.. من بين كل عشرة نساء عراقيات هناك تسع منهن غير نشطات اقتصاديا(*)، في حين تكاد النسبة تكون معكوسة في صفوف الرجال،فمن بين كل 10 رجال عراقيين هناك 8 منهم نشطين اقتصاديا.

  بحسب نتائج المسح الذي اجرته وزارة التخطيط العراقية للعام2011 تمثل النساء المستعدات للخوض في سوق العمل نسبة لا تتجاوز ال 13% من مجموع النساء العراقيات، وهي نسبة متدنية حتى بالمقارنة مع الدول النامية الاخرى ، إذ تشير احصاءيات منظمة العمل الدولية عام 2019 الى ان العراق يحتل ثالث ادنى مرتبة في نسبة النساء النشطات اقتصاديا من بين 189 دولة .

تعود هذه النسبة المتدنية الى جملة من العوامل والاسباب المرتبطة بطبيعة المجتمع العراقي ونظرته لدور المرأة بشكل اساسي، فالنساء لا يعملن لأنهن ببساطة ممنوعات من العمل، وفقا لدراسة قامت بها بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI) بعنوان ” العنف ضد المرأة في العراق: المشكلات والخيارات” فان ثلاثة من بين كل خمسة من الرجال الكبار السن لا يعترفون بحق النساء في اسرهم بالعمل، كما ان 2 من بين كل خمسة من الشباب يشاطرون الجيل الاقدم النظرة ذاتها، ولكن هذا يتركنا مع نسبة تتجاوز ال 60% من الامل!

 60% من الذكور الشباب الذين يحترمون حق المرأة في العمل، في مجتمع تشكل شريحة الشباب فيه نصف تعداد السكان يبدو شيئا واعدا حتى على الرغم من الطبيعة الابوية في النظام الاجتماعي والتي تعزز النفوذ العائلي في ايدي كبار السن، وفي هذا السياق تتسائل (ايفا كونستانتاراكس) مدربة في مجال البيانات الجندرية “إذن فهناك تغيير في طبيعة التفكير الاجتماعي، ولكن هل يحدث هذا التغيير بالسرعة الكافية؟”.

يمثل مصطلح (النشطين اقتصاديا) عدد او نسبة الاشخاص البالغين القادرين على العمل، والراغبين، والمستعدين للعمل في الوقت نفسه، بصرف النظر عن ما اذا كانوا يعملون بالفعل او لا خلال فترة اجراء المسح او الاستبيان.

تجدر الاشارة الى  ان هذه النسبة لم يتم احتسابها من خلال استبيان اراء الرجال انفسهم، وانما من خلال سؤال النساء عن موافقة او عدم موافقة الرجال في اسرهن على حقهن في العمل بحسب اعتقادهن.

على اي حال، فإن التغيير في القناعات الاجتماعية، والحصول على الاعتراف بحق المرأة في العمل _ بقدر ما هو اساسي_ الا انه لا يكفي لدفع النساء خارج المنزل، فالادوار النمطية للجنسين محددة بشكل صارم ، وهي غالبا ما تترك النساء مع قائمة طويلة من المهام والالتزامات داخل المنزل، تقول سليمة محمد ” لقد حصلت على فرصة عمل كمدبرة منزل ولكنني رفضتها، لانني يجب ان انتبه الى الاولاد، لا استطيع قضاء هذا الوقت الطويل خارج المنزل” مؤكدة على ان ” تربية الاولاد هي وظيفتها الاساسية” على الرغم من ان اعمار اولادها تتراوح بين 10 سنوات وعشرين عاما، وبحسب منظمة العمل الدولية تقوم المرأة العراقية ب86% من اعمال العناية المنزلية غير مدفوعة الاجر وتنفق ما لا يقل عن 6 ساعات يوميا للعناية بالمنزل والاطفال ، مقابل اقل من ساعة واحدة ينفقها الرجال للقيام بنفس النوع من العمل، ما يجعل المرأة العراقية تعاني فقرا في الزمن اللازم لقيامها بالعمل المدفوع الاجر، فضلا عن القيام بذلك العمل بكفاءة.

الثمن الذي يدفعه العراق لابقاء النساء في المنزل.

لنعد الى سليمة محمد، يبلغ متوسط الدخل الشهري لاسرة سليمة المكونة من 9 افراد ما يعادل 300 دولار شهريا، تحصل عليها سليمة من راتب الرعاية الاجتماعية الذي تصرفه لها الدولة، فضلا عن تبرعات يقدمها الاقارب. تقول سليمة عن ذلك ” عندما يمرض احد اولادي اخذه الى المركز الصحي، او الى الممرض الذي يسكن قريبا منا، فانا لا استطيع تدبر اجور نقله الى المستشفى.”

والصورة هي ذاتها في الكثير من الأسر التي تعيلها نساء غير عاملات ، اذ يبلغ معدل الفقر في العراق 22.5% بحسب ما يشير إليه البيانات التي جمعها برنامج الغذاء العالمي (WFP) في العام 2016. والذي يوضح ان اكبر المتضررين من ارتفاع نسبة الفقر هي الأسر التي تعيلها نساء ، لان أربعة من كل خمسة نساء معيلات لأسرهن ومسئولات عن تحصيل دخل الأسرة، هن خارج قوة العمل في معظم المحافظات العراقية كما هو الحال بالضبط مع سليمة محمد، في حين إن هناك اقل من واحد من كل خمسة رجال من معيلي الاسر غير نشط اقتصاديا، فهؤلاء النساء لا يبحثن عن عمل حتى عندما يكن مطالبات بدعم اسرهن اقتصاديا.

الدائرة الثانية: القليل جدا من النساء العراقيات يحصلن على عمل فعلا

في حين ان هناك 13% من النساء مستعدات للعمل فإن اقل من8% منهن فقط تنجحن في الحصول على عمل فعلا، وهنا يسجل العراق رقما قياسا آخر في غياب المساواة الجندرية، محققا ثاني ادنى مرتبة في نسبة العمالة النسائية من بين 130 دولة، بما في ذلك دول الجوار، فعلى الرغم من ان النسبة العامة للعمالة النسائية في الشرق الاوسط  قد ارتفعت من 15% الى 16% بين العامين 2014 و2017 الا ان العراق قد شهد هبوطا في نسبة العمالة النسائية من 11% الى  8% خلال الفترة نفسها. وهذا يعني انه مقابل كل امرأة تعمل في العراق، هناك امرأتين تعملان في دول الشرق الاوسط، وخمسة نساء يعملن في الدول ذات الدخل المرتفع.

تعمل النسبة الاكبر من هؤلاء النساء في القطاع الحكومي، وفقا لتقرير اليونسكو الصادر عام 2019 ” تقييم سوق العمل وتحليل المهارات في العراق وكردستنان العراق”  فإن 60% من النساء العاملات يعملن في مؤسسات القطاع العام، غير انهن لا تشكلن اكثر من ثلث القوى العاملة في الوزارات والهيئات الحكومية، فهناك ثلاث نساء يعملن في وزارت الدولة مقابل كل سبعة من الرجال بحسب ما يشير اليه تقرير واقع المساواة الجندرية في الوزارات والمؤسسات في العراق ، والصادر عن وزارة التخطيط العراقية .

ليس هذا فحسب، فحتى النساء اللواتي ينجحن في تخطي باب المنزل، والخروج الى سوق العمل، كثيرا ما يعدن الى الداخل مرة اخرى ويغلقن الباب بقوة! هذه المرة بسبب ظروف العمل نفسها، اذ يشير تقرير “تحليل الحالة للمساواة الجندرية وتوظيف النساء في العراق” الصادر عن وزارة التخطيط العراقية عام 2012، الى ان حوالي نصف النساء اشرن الى وجود تمايز في الاجور لصالح الاقران الذكور في القطاع الخاص، في حين اشار ثلثهن الى وجود هذا التمايز في وظائف القطاع العام، بينما اشارت سليمة الى فرصة العمل التي رفضتها قائلة ” مقابل العمل طيلة النهار لن يعطوني اكثر من 500″.

اذا اخترت ان توسع الدائرة الوسطى فان ذلك يمكن ان يساعد في تحسين الاقتصاد العراقي بشكل ملحلوظ، بحسب منظمة العمل الدولية ، فاذا نجحت في دفع 25 امرأة اضافية من النساء المئة الى العمل فإن اجمالي الناتج المحلي* (GDP) يمكن ان يرتفع الى 2527 دولارا للفرد الواحد في العراق، اي ما يعادل 11% من نسبة تعادل القيمة الشرائية (PPP) ، اي تحقيق زيادة اجمالية في (GDP) تصل الى 73 مليار دولار.

قليل من النساء يعملن في قليل من الخيارات المهنية.

ان النسب المتدنية للعمالة النسائية لا تعكس مشكلة في العدد او الحجم الكمي للحضور النسائي في سوق العمل فحسب، بل تتعدى ذلك الى نسب غير متوازنة من التمثيل النسائي التخصصات المهنية المختلفة، فهناك تفاوت حاد في التوزيع النسبي للنساء العاملات في القطاعات والوزارات المختلفة، اذ نجد عدد كبير منهن يتكتل في الوزارات الخدمية، في حين يقل توظيفهن في القطاعات الصناعية والامنية، وبحسب ما يشير اليه تقرير ” واقع الجندر في الوزارات والمؤسسات في العراق” الصادر عن وزارة التخطيط العراقية عام 2018، تحظى بعض الوزارات بنسبة عالية من الموظفات النساء، كالبنك المركزي الذي يوظف 8  نساء مقابل كل 2 من الموظفين الرجالء، وكذا الامر بالنسبة لوزارة التربية والتعليم التي توظف 6 من النساء مقابل كل 4 من الرجال، في حين يتناصف الرجال والنساء الموظفون في وزارة المالية، غير ان هناك وزارات اخرى تعاني من التدني الشديد في نسبة النساء الموظفات فيها، وفي مقدمتها وزارة الداخلية التي لا تتعدى نسبة النساء فيها 2%، ووزارة النفط التي لا تتجاوز نسبة النساء فيها 10%، ويمكن توضيح هذا التباين الحاد في توزيع النساء على القطاعات المختلفة بالقول انه لكل 40 امرأة تعمل في البنك المركزي، هناك 30 امرأة تعمل في وزارة التربية، ، يأتي هذا مقابل خمس نساء فقط يعملن في وزارة النفط، وامرأة واحدة فقط تعمل في وزارة الداخلية والمقصود 500 الف دينار عراقي ، اي ما يعادل حوالي 420 دولارا امريكيا.

شاهد أيضاً

التعنيف اللفظي والنفسي.. كابوس لم يُسلط الضوء عليه

آية منصور تبدو التربوية انتصار محمد، قلقة على بعض طلابها الذين وفي كل عام دراسي، …

error: Content is protected !!