أزمة المياه في العراق والصراع الجيوسياسي

د. نبراس المعموري

يحتل العراق المرتبة الخامسة عالمياً بين الدول الأكثر تأثراً بتغير المناخ، و انعدام الأمن المائي والغذائي فقد أفادت المنظّمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الصادر عام 2019 ان 21314 عراقياً قد نزحوا داخل البلاد بسبب النقص في المياه، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بشكل مضطرد لأن البلد سيعاني نقصاً في المياه يقدر ب 10,8 مليار متر مكعب بحلول العام  2035، فيما نسبة 54 % من الأراضي الصالحة للزراعة في العراق مهددة بسبب ارتفاع نسبة الملوحة.  

وما اشرنا اليه قد يولد تأثيراً مضاعِفاً يزيد من حجم التحديات الاجتماعية الاقتصادية التي يعيشها المجتمع العراقي والتي تعد نتيجة للائحة طويلة من الأزمات الداخلية ساهمت فيها الطبقة الحاكمة وهيكلياتها الإدارية بعد ارتفاع معدلات الفساد المالي والاداري، مما اضعف الإرادة السياسية الجادة والحازمة لمعالجة الازمة المائية التي يواجهها البلد ، وساهم ايضا في اتساع ظاهرة الفوران (الجيوسياسي) الذي يمكن أن يتسبب بخلق موجات جديدة من الصراعات الداخلية والاقليمية، خاصة مع استمرار الخلافات العالقة منذ زمن حول المياه بعد قرار تركيا بملئ سد إليسا عند منابع نهر دجلة عام 2018 ، وكذلك قيام إيران بتقليص روافد دجلة، بعد ان قطعت مجرى المياه في نهر ديالى في شمال شرق العراق مما ترتب على فقدان بحيرة حمرين 80% من مياهها، والتي تعد المورد المائي الأساسي لمحافظة ديالى، ممّا أغرق المحافظة في كارثة إنسانية وبيئية على حدّ سواء .

وعلى الرغم من ان الحكومة العراقية تقدمت في السابق بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة للطعن بالسياسات المائية التي تنتهجها إيران وتركيا، بيد انه لم تتمّ متابعة الشكوى بشكل جدي وحازم، بسبب ما تتصف به السياسة الخارجية العراقية من فقدان المركزية وضعف الاجراءات بعد سطوة النخب الحاكمة التي لها صلات متفاوتة بالقوى الإقليمية على كل مفاصلها

ولمعالجة هذه المشكلة التي يواجهها البلد لابد من الحكومة العراقية الجديدة اعتبار تهديد شحة المياه مسألة سياسة خطيرة تتطلب جهداً استثنائيا للوصول إلى حل مع تركيا وإيران من خلال اشراك الجهات الفاعلة السياسية العراقية والتي لها علاقات بالجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لادراج ازمة المياه في العراق ضمن حوارات الوساطة لحلّ الصراعات القائمة على التوتّرات الجيوسياسية ؛ وكذلك إدراج أزمة المياه في المفاوضات مع تركيا حيال مستقبل سنجار وانتشار مقاتلي حزب العمّال الكردستاني في العراق. مع ضرورة ايصال رسائل للفاعلين الاقليميين ان بقاء الوضع على ما هو عليه سيساعد على عودة المجموعات المسلّحة والتنظيمات الارهابية . يرافق ذلك جهد حكومي مؤسساتي متخصص لوضع ستراتيجية مائية وطنية تواكب المتغيرات الحالية و قابلة للتنفيذ يسهم فيها المتخصصون والمتخصصات في مجال السياسات المائية من الكفاءات العراقية، مع ضرورة ابعاد هذا الملف عن المحاصة والتوافقات السياسية خلال اختيار فريق العمل لرسم السياسة المائية وفق متطلبات المرحلة وخطورتها، والاسراع باطلاق صافرة العمل الحقيقي لحل الازمة الراهنة التي قد تكون لاحقا ازمة عقيمة غير قابلة للعلاج.

شاهد أيضاً

هل يكفي 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة؟

د.نبراس المعموري قصة الشقيقات الثلاث باتريا ، ومينيرفا ، وماريا تيريزا ميرابال اللاتي قتلن في 25 …

error: Content is protected !!