السومريون ألفوا قصصًا أسطورية بسبب “العين الشريرة”

صوتها – بغداد

يُعدّ الحسد أو العين الشريرة “evil eye” من بين المعتقدات التي يؤمن بها الإنسان منذ القدم، على اختلاف ثقافته ودينه ودرجة تقدمه. واقترن هذا المعتقد ببعض الممارسات والتعبيرات التي ظهرت مع الحضارات القديمة، حتى أن كثيرًا منها لا يزال يستخدم حتى اليوم.

تاريخياً، يعود الإيمان بالحسد للعصر الحجري القديم العلوي، حين تم العثور على رسوم عمرها 10 آلاف سنة على جدران الكهوف باسبانيا، ترمز لدحر العين الشريرة. ورغم اختلاف العادات المرتبطة بالعين الشريرة، فإن ثقافات الشعوب أجمعت على وجودها، مع تباين الجغرافيا، فلا فرق بين أوروبا والشرق الأوسط في الإيمان بالمعتقد إلا بالتعبير فقط، وكما انتشر الحسد في منطقة البحر المتوسط خاصة، ظهرت آثار له عند شعوب آسيا وأميركا وغرب إفريقيا.

العراق بدوره كان في طليعة الحضارات المؤمنة بوجود “الحسد”، إذ اكتشفت كتابات للسومريين في ألواح من الطين عن العين الشريرة، تعود لنحو 3000 عام قبل الميلاد، إضافة لصلوات تدحض لعنتها، ما زال بعضها يستخدم حتى اليوم في منطقة البحر المتوسط.

وفي العام 2012، اكتشف علماء آثار كرواتيون خاتمًا عمره نحو 1800 عام، عليه “عين” منقوشة للحماية من الحسد ومن الحظ السيئ.

يبرز في الثقافة السومرية استخدام مصطلح “عين الموت” لإيضاح مدى تأثير الحسد في ضحيته، وأسوة بقصة حورس، ظهرت “عين الموت” مرتين في قصة الإلهة إنانا، إلهة الحب عند السومريين، خلال رحلتها للعالم السفلي، أولاهما عندما سقطت ضحية العين الشريرة لآلهة “أنونا”، والمرة الثانية عندما قضت على زوجها “دوموزي” بعينها القاتلة.

ويشير المؤرخ زاكارياس كوتزيه في دراسته “العين الشريرة عند آلهة السومريين”، المنشورة في 2017، إلى أن “السومريين ألفوا قصصًا أسطورية عن آلهة يموتون بسبب “العين الشريرة”، كما فسروا الظواهر الطبيعية كالزلازل والعواصف والفيضانات كنتيجة للتعرض لهذه العين”، مضيفًا: “العين الشريرة كانت في الحقيقة معتقدًا أساسيًا في الثقافة السومرية، وهو ما ظهر في آدابهم”.

وفي مصر، أولت الحضارة المصرية القديمة، منذ نشأتها قبل نحو 7 آلاف سنة اهتمامًا كبيرًا لـ”الحسد”، ففي أسطورة إيزيس وأوزوريس، لم يستعد حورس حكمه على مصر إلا من خلال عين سحرية زرقاء “عين حورس”، تمكن بفضل قوتها من هزيمة عمه “ست”، وإنقاذ بلاده.

وكانت “عين حورس”، رمزًا يخدم الشعائر والمعتقدات المصرية القديمة في الحياة والبعث على حد سواء، لأنَّ قدماء المصريين آمنوا بأنها تحمي من يرتدي قلادتها من الأرواح الشريرة ومن المرض، كما كانت القلادة توضع على صدر مومياء فرعون في القبر لتحميه من أعدائه.

علمًا أن تأثير الحسد أو العين الشريرة امتد لسلوكيات المصري القديم في نواحي حياته، وبسؤال المؤرخ المصري وأستاذ التاريخ عاصم الدسوقي عن مدى ارتباط الملابس الفرعونية القديمة، بالوقاية من الحسد، أكد أن الملابس التي ارتداها الفراعنة، والمكياج الذين استخدموه، كان في كثير من الأحيان- بالإضافة لكونه ذوقًا- بغرض الحماية من “العين”.

وقال الدسوقي: إن وجود معتقد الحسد أمر طبيعي، لأن الحضارات القديمة كانت بدائية ما انعكس على ثقافتها، مستطردًا:” الشعوب البدائية كانت معتقدة أن فيه قوة ورائية تحرك الظواهر، وأن أي سلوك له تفسير في الميتافيزيقا”.

وعن الممارسات السائدة وقتها، قال المؤرخ المصري إنها لا تختلف عن مثيلاتها اليوم، كاستخدام الملح في البيوت وارتداء “الخرزة الزرقاء”، مشيرًا إلى أن الشعوب العربية تستخدم الموروثات الثقافية التي وصلتنا من الماضي.

لم يختلف اليونانيون والرومان عن السومريين والفراعنة في توظيف الآلهة للحماية من الحسد، فيقول المؤرخ الروماني الأشهر بلينيوس الأكبر في كتابه” التاريخ الطبيعي” إن الإله “فاشينوس”، كان يحمي من العين الشريرة، إضافةً لممارسات أخرى ظهرت وقتها، مثل وضع رمز للقضيب في حدائق البيوت واستخدام شكل من الجراد للوقاية من العين الشريرة.

شاهد أيضاً

برعاية معالي وزير الثقافة والسياحة والاثار وباشراف الوكيل الاقدم للوزارة، دار المأمون للترجمة تعقد مؤتمرها الخامس

كتب / عمار الخالديعدسة / صباح الزبيدي تحت عنوان :(#المأموناشراقةُالعراق على العالم) برعاية معالي وزير …

error: Content is protected !!