حقوق المرأة شرط حضاري … وليست امرا شكليا

صوتها/مقالات/فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة والسياحة والاثار المشرف على لجنة المراة في الوزارة

نحن على ابواب الانتخابات وكل القضايا الساخنة لا بد ان تفتح من جديد ويتم ادلاء الرأي وتبادل الافكار بصددها . هذا بغض النظر عن صحتها او احقيتها ، فهناك شئنا ام ابينا لعبة ديمقراطية يجب الخوض فيها .
وواحدة من اهم الملفات الاجتماعية الساخنة في العراق هي قضية المرأة والاسرة والطفل وهي في الواقع قضية المجتمع ككل ، فلا مجتمع يمكن ان يتطور واغلبية سكانه – ونعني النساء – مكبلة بقيود الماضي و بتراكم هائل من الافات والعادات الاحتماعية البليدة . هذا الواقع ليس جديدا علينا ويعترف به كل من له عقل يفكر ولسان ينطق بالحق . لكن اللافت في الامر ان هذا الملف يتراجع الى الوراء ولا يكاد يتقدم خطوة الا ليتخلف خطوتين او اكثر عن ركب التقدم الاجتماعي .
والاسباب التقليدية واضحة وعلى رأسها هيمنة الرجل والعقلية الذكورية والتفكير العشائري الذي لا يترك اي متنفس للمرأة . الموضوع في حقبة ما بعد التحرير في 2003 ان اكثرية الاحزاب الدينية انضمت الى نفس التوجه اللاتقدمي في النظرة الى الاسرة والمرأة ، وهذه المرة من منطلقات دينية او مذهبية مما عمق الجرح ووسع الهوة في المجتمع بين الرجل والمرأة وصار اي حديث عن حرية المرأة يفسر وكأنه دعوة للفساد الاجتماعي والعكس هو الصحيح تماما ، فاكبر مظهر للفساد هو تأخر المرأة ما يعني بالضرورة ايضا تأخر العائلة والطفل حيث تصطبغ تربيته كليا بما نشأت عليه المرأة من افكار بالية . وفي الوقت الذي نجح هذا المد المتلبس بالوان الطائفة والعشيرة بتحقيق اختراقات خطيرة في جسم المجتمع شكلت تراجعا عن حزمة الحقوق التي اكتسبتها الحركة النسوية في العراق منذ عقود طويلة ، فأن الجمعيات وشبكة المنظمات المعنية بحقوق المرأة رغم تحركها و عقدها الكثير من الندوات الجادة والتي حضر اغلبها كاتب هذه السطور عجزت عن فرض نفسها وطروحاتها المتحضرة المبنية على التراكم التشريعي القانوني الدولي وتجارب الدول المتطورة .
ولذلك اسباب لا نظن انها خافية على احد وهي سطوة الاحزاب التي لها فهم طائفي خاص لحقوق المرأة وامتناعها عن تقمص تجارب الشعوب الاخرى تحت مزاعم التشبث باصالة تقاليد المجتمع وهو امر باطل من الاساس ، ومنظومة حقوق الانسان و المرأة والطفل والعائلة هي منظومة كونية يجب علينا الاخذ بها ، وبخلاف ذلك نعتبر – وهذا واقع الحال – في مؤخرة الركب الحضاري . ان حقوق المرأة في العراق تعني حقوق اكثر من خمسون في المائة من المجتمع وعلينا ان نعترف ان اي حديث عن الديمقراطية في العراق هو ذر للرماد في العيون و سراب مطلق دون تحقيق المساواة بين طرفي المعادلة المجتمعية المرأة والرجل ، واي حديث اخر وتحت اية ذريعة كانت مخالفة لواقع الحياة واشتراطات الحضارة الراهنة .
ان الحضارة الراهنة اثبتت بالادلة القاطعة ان المرأة قادرة ومتمكنة حالها حال الرجل من ممارسة اي عمل اجتماعي او اقتصادي او سياسي قيادي داخل المجتمعات واثبتت في دول مثل المانيا واليابان والصين و دول اسكندنافيا انها بانتاجها و عطائها و انجازاتها في البيت والمعمل والمؤسسة والوزارة و المنجم وفي عالم البحوث العلمية ، اثبتت انها لا تقل قيد شعرة عن الرجل بل ان بعض الابحاث توصلت الى نتائج تؤشر لتفوق المرأة على الرجل في انتاجيتها ضمن بعض المجالات مثل العمل على الكومبيوتر . واذ نشير الى هذه الامور فأنه يحز في انفسنا ان نرى المرأة في العراق بهذا الوضع المأساوي والانكى من ذلك ان الاحزاب السائدة ترتكب خطيئة كبرى اخرى حيث تستغل بعض النساء في البرلمان او في المواقع التنفيذية كابواق للدعاية السياسية و هنا الطامة الكبرى .
اننا جميعا نتابع بعض الاصوات النسوية الشاذة عبر شاشات التلفزة وهي تملأ الفضاء صراخا دون ان تعلم انها تقدم خدمة مجانية سياسية لحزبها ولا علاقة لهموم المرأة بما تدعيه وتزعمه من افكار بالية ، بل والمبكي ان تاتي نائبة لتجعل من تعدد الزوجات مخرجا لهموم وازمات المرأة لتصبح على مدى اشهر اضحوكة بين الجمهور العراقي الذي من حقه ان يستنكر هذه السذاجة في التفكير . اننا لن نقف طويلا حول نسبة المرأة في البرلمان وحصتها السلطتين التنفيذية والقضائية فذلك امر لا يهمنا وهو حل ترقيعي وتجميلي وشكلي لا يغير جوهر الامور . ان اكبر تغيير في وضع المرأة هو تطبيق اتفاقية ( سيداو ) والمواثيق الدولية الاخرى حول المرأة والطفل وبذلك نحقق القفزة الاولى باتجاه التقدم الاجتماعي والاقتصادي لان الملايين من النساء هم قوة انتاجية هائلة اذا انضمت لقوى الرجل اسوة بكل تجارب العالم المتحضر .
ان المرأة العراقية بحاجة الى كيان او كيانات خارج الاحزاب للدفاع عن المرأة كنوع وجنس قائم بذاته و ليس كبوق دعاية لاحزاب لا ترى المرأة الا كقطعة اثاث في البيت او جزءا من ممتلكات الرجل وفق تقاليد لا علاقة للدين الصحيح بها . وهنا يمكن للجان المرأة في الوزارات ولاسيما لجنة المرأة النشطة في وزارة الثقافة و عدد اخر من المؤسسات ان تنضم بصوت موحد الى شبكات النساء و منظمات المجتمع المدني و منتدى الاعلاميات العراقيات وكل الفاعليات الحقوقية للتأكيد على ضرورة عدم الفصل بين القانون الدولي والقانون الداخلي العراقي ، وافضلية الدولي على الداخلي في التطبيق لا سيما ان العراق مصادق على اغلب المواثيق الدولية لكنه فاشل كليا في التطبيقات العملية بسبب افكار الاحزاب السائدة ، وايضا سيادة عقلية العشيرة على ذهنية اغلب السياسيين .
ان المطلوب الان حركة دائبة لتعرية كل فكر يقف على الضد من طموحات المرأة ، واستنكار اي تبرير – مهما كان – للعنف الاسري الذي رأينا البعض يربطه بالدين وفق سياق تأويلي لا يمكن ان ينسجم مع العصر ، وابراز الطابع الخاص لحقوق المرأة كونها مفصلية ومحورية لتطور المجتمع لأن حقوق الطفل والاسرة تتبعها بالضرورة ولا فكاك بينهما . واذا تحقق هامش رحب لهذه الحقوق يكون من الطبيعي حينها الحديث عن نسب اضافية للمرأة في المواقع القيادية ، اماالاكتفاء حاليا بالكوتا النسوية وتسليم بعض المواقع للمرأة من قبل احزاب معادية لحقوق المرأة اصلا فذلك امر لا يستحق الاهتمام .. ان دعوتي صريحة وواضحة للجنة المرأة في وزارة الثقافة التي اشرف عليها منذ انطلاقها باوامر من مجلس الوزراء ان تنضم بصوتها القوي الى جانب ما قلناه آنفا من افكار والتلاحم مع كل الاصوات النسوية العراقية الحرة لتحقيق ما نصبو اليه من قفزة نوعية في اوضاع المرأة العراقية . 

2018/4/4

شاهد أيضاً

التدفق الإعلامي ومؤشرات هيمنته 

د. محمد وليد صالح  باحث وكاتب عراقي قيمة الحدث ليست عمومية في العمل الإعلامي ونسبيتها في بعض وسائل الإعلام …

error: Content is protected !!