
رشا مهند
ما أصعب أن تُتَّهَم بأنك كاذب…
فقط لأنك حاولت أن تكون صادقًا، لأنك سلكت طريق النية الطيبة، وعدالة الله، ونقاء القلب.
في زمنٍ يُكرَّم فيه من يعرف كيف يتقن الكذب، من يعرف كيف يتلاعب بالمشاعر، من يضع القناع المناسب في الوقت المناسب، يصبح الصدق تهمة، والنية الصافية ضعفًا، وتُكال لك اتهامات بأنك لست إلا مخادعًا متقنًا… بينما أنت تنهار في داخلك من الألم.
كم من امرأة ورجل يعيشون في زواجٍ لا تعرفه أرواحهم؟
كم منّا يعيش في جسدٍ واحد، بينما الروح تجلس بعيدة تراقب بصمت، كانت قد حذّرت، وناشدت، وصرخت بصوتٍ لا يُسمع… تبحث فقط عن نبضة قلبٍ صادقة تشعرها بأنها حية؟
كم منّا يبتسم للناس، بينما داخله أشلاء قلب؟
كم منّا يقول “نعم” لأن “لا” مخنوقة بالخذلان، بالخوف، بالخجل؟
هل المشكلة في العالم، أم فينا نحن الذين صرنا نبحث عن شيء لا نعرف اسمه؟ نركض، ونضحك، ونُحب، ونَظهر… لكن في أول اصطدام، حين تهتزّ الأرض تحت أقدامنا، يسقط القناع، ويتقدّم الأنا على المسرح، يصفّق لنفسه، ويأخذ زمام الحديث.
حتى من يحاول أن يكون “جيدًا” يشعر أحيانًا أنه مجرّد ممثل، أن كل هذا الخير مشكوك فيه، أن صورته لا تعكس ذاته. في أول خيبة، أول لحظة فشل، أول كلمة نقد، تسقط الملامح ويتعرّى الضعف، وتنكشف الحقيقة التي نحاول أن نجمّلها دومًا.
في غرفة العلاج، أسمع أصواتًا مكسورة تقول:
“أنا لا أرتاح”،
“أشعر أنني أختنق”،
“أخاف أن أكون جاحدًا”،
“أشعر أنني لا أستحق شيئًا أفضل”،
“ربما أنا المشكلة”.
أؤمن أن أرواحنا كانت دائمًا تائهة… لكن اليوم، الضياع أصبح مضاعفًا.
تائهون في داخلنا، وتائهون في هواتفنا، في مقاطع وهمية، في قصص لا تشبهنا. لا نعلم أين نحن، ولا كيف نعود.
لكن حتى في الضياع، هناك دائمًا شعاع بسيط، ناعم، يبحث عن الطريق.
المخيف ليس الضياع…
بل الضياع مع فقدان التركيز، الضياع حين لا نعرف حتى أننا ضائعون.
حين نفقد البوصلة، ونضحك في العلن، بينما في قلوبنا نُصلّي سرًا أن ينقذنا أحد… أن يسمعنا أحد.
وأتساءل أحيانًا: لو خرجت كل هذه الأفكار، كل هذه المشاعر، كل هذا الضجيج الذي نحمله في رؤوسنا وقلوبنا…
وارتفعت للسماء…
هل ستتغير ألوان الغيوم؟
هل ستصبح السماء أكثر عتمة؟ أم ستمطر ألوانًا تمثّل وجعنا؟
هل ستنعكس على الأرض؟ هل سيرانا الآخرون أخيرًا كما نحن؟
ربما… فقط ربما… نحن بحاجة إلى أن نصمت، أن نغلق هواتفنا، أن نواجه أنفسنا في المرآة،
أن نعترف بأننا خائفون، بأننا منهكون،
وأن الصدق… لا يحتاج جمهورًا.