
رشا مهند
عن الألم غير المرئي، والأدوية الثقيلة، ونظرات الناس الأقسى من النوبة نفسها
رأيته يتحدث بثقة رجل وصدق طفل. قال لي:
“عندما تكون قويًا وتواجه قويًا، تكون المعركة عادلة. أما حين تكون قويًا وتواجه جبانًا، يغدر بك من ظهرك، فحينها لا تكون الحرب عادلة.”
قالها بصوت هادئ، تنبع منه كاريزما تملأ المكان، بلغة جسد تقول: “ثق بي، أنا أستطيع.”
لحظة تختلط فيها مشاعر متناقضة؛ مزيج بين طفل يتوق لحضن عائلته، ورجل مستعد لحماية وطنه أو من يحب.
وفجأة، تتحول نظرته إلى نظرة المقاتل: حادة، مركزة، مشتعلة بالعزم، ثم تتغير بسرعة إلى نظرة ألم وخيبة،
ثم نظرة شيء أقرب إلى الغضب الصامت، المخيف، كأن وراء عينيه عاصفة لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها.
قال:
“ليس لدي مشكلة في مواجهة المرض، لكن لا أتحمّل هذا المرض الجبان… سميته الجبان لأنه لا يواجهني وجهًا لوجه، بل يغدر بي في لحظة لا أتوقعها.”
ثم سكت قليلاً وقال:
“الأصعب من المرض هو الناس… لا يفهمون. يظنونني سارقًا، أو مجنونًا، أو متعاطيًا.”
تنهد، وأكمل:
“شاب في ربيع عمره، يسقط فجأة في وحل الطريق، والناس من حوله ينظرون إليه، وملابسه مغطاة بالتراب.
نظراتهم تتفاوت ما بين شفقة زائدة، واشمئزاز صامت، وكثيرًا ما تكون نظرات فضول…
لكن الأسوأ، حين تسمع أحدهم يهمس: ‘لعنة الله’.”
نظرت إليه، ولم أجد كلمات… فقط صمت داخلي يصرخ: “هذا ظلم.”
كنت هناك كمعالجة نفسية، لكنني كنت أيضًا إنسانة ترى إنسانًا آخر يتألم.
الصرع ليس فقط نوبات كهربائية مفاجئة، بل هو معركة يومية مع أدوية تثقل الجسد والعقل، مع مجتمع يجهل، ويشك، ويهمّش.
هو أن تعيش دائمًا على حافة الخوف: هل ستأتي النوبة الآن؟ أمام من؟ هل سأستيقظ؟ كيف ستكون نظراتهم؟
الصرع لا يُرى إلا حين يسقط صاحبه… لكن ما لا نراه هو الألم بعد النوبة، الآثار الجانبية للأدوية، العزلة، وفقدان الكرامة.