
فراس الحمداني
قبل عقدين من الزمن وتحديدا” في بدايات العام ٢٠٠٥ كنت اكتب عمودا” صحفيا” ثابتا” في جريدة الفيصل والتي وقتها كانت من اشهر الصحف التي تصدر بطبعة مميزة باخراجها ومضمونها وعدد نسخها الموزعة وكان يرأس تحريريها الصحفي المخضرم الكبير محمد الشاهين والذي عرف عنه ان ذاك ايمانه المطلق بالطاقات الشبابية والعمل الصحفي البعيد عن الرتابة .
وكأي كاتب صحفي شاب كان من المفترض ان اطمع بأن اضع اسمي وصورتي على العمود خصوصا” ونحن في زمن لم نكن نعرف فيه مواقع التواصل الاجتماعي ولم تسخر لنا خدمات ( السوشيل ميديا ) للنجاح الميسر بل وحتى الشبكة العنكبوتية ( الانترنيت ) كنا بالكاد نعرفها ونتعامل مع ابجدياتها مثلنا مثل كل العراقيين حديثي العهد عليها .. لكنني وقتها فضلت الكتابة على الكاتب والمحتوى على صاحبه وقررت ان اسير في مشوار الألف ميل بالخطوة الثابتة التي أؤمن بأنها تلك الكلمة الراسخة المؤثرة التي تقبع في العقول وذاكرتها دون سواها ..
كان عمودي يحمل عنوان ثابت وسمته ب(بأوراق مازالت بيضاء) وتحته كتبت عبارة ( هواجس بقلم شهريار ) وكنت احرص على ان لا يعرف اي احد غير رئيس التحرير الذي اسلمه المادة الصحفية من هو كاتب هذا العمود .. وفعلا” كنت اسمع اراء كثيرة وجميلة حوله واكتم سعادتي بها في سري وكنت بذات الوقت اكتب بأسمي الصريح موضوعات اخرى في صفحات وصحف اخرى وبمختلف الفنون الصحفية وكان عنفوان الشباب يدفعني للعمل بكل جدية وحماس وفق استراتيجية منظمة وتوقيتات محسوبة تتوافق مع جدول ايديلوجياتي في العمل الصحفي .
وفي احد الايام بعد مضي اكثر من عام على كل ماذكرته التقيت صدفة بأحد الكتاب الصحفيين من الاساتذة الكبار المخضرمين وقبل ان اسلم عليه وانا اهم بمد يدي لمصافحته تسارعت الكلمات الى فيه وقال ( اهلا اهلا بالصحفي المثابر فراس الحمداني ) .. ثم استدرك سريعا” وقال ( اهلا” بشهريار ) !
وقتها كللتني الدهشة و التعجب لكني حاول ان اتمالك نفسي ورباطة جأشي واتبادل معه اطراف الحديث بطريقة ظننت بانها قد لا تكشف سري فقال لي وقتها ( يا صديقي .. نحن نعرف الكتاب من كتاباتهم لا من اسمائهم او صورهم . )
هنا .. تمعنت بكلماته و فرحت كثيرا” ان اسلوبي في الكتابة ومفرداتي وكاريزما قلمي بات معروفا” لدى النخبة المثقفة فعدت الى رئيس التحرير واخبرته بما جرى وقررت بعدها اضع صورتي واسمي على عمودي الصحفي بعد ان كشف امري .
حتى هنا .. هذه مجرد مقدمة لخلاصة اريد التحدث عنها بعد ان ترددت كثيرا” بذلك حتى لحظة كتابة هذا المقال خشية ان يسوق البعض كلامي هذا الى تفسيرات خاطئة بما مفاده انني ومن مثلي قد نتأثر او نتضرر من القضية وشتان بين الثرى والثريا .
الخلاصة .. في الاونة الاخيرة أطل علينا عدد كبير من ( السذج ) سراق الكلام المفتقرين الى ابسط مقومات الادب والثقافة لينشروا عبر كل الوسائل المتاحة للجميع مقالات صحفية من العيار الثقيل .. مقالات لم يكتبوها وربما حتى لا يفهموها وانا تعكزوا على الذكاء الاصطناعي ليكتبها بدلا” عنهم كونهم عاجزين عن كتابة سطر واحد منها فنحن نعرف حدود امكانياتهم ومفرداتهم وحجم ثقافتهم المحدودة ..
هؤلاء وبكل سذاجة يظنون ان مقالاتهم المسروقة من الذكاء الاصطناعي قد تمر على النخب المثقفة دون اكتشاف حقيقتها وبغبائهم يظنون انهم حين يضعون اسمائهم على تلك المقالات و يكذبون الكذبة ثم يصدقونها وحين تنطلي كذبتهم على بعض البسطاء وتمر عليهم فقد تنطلي على الاخرين .. بينما ان الاغلبية من النخب المثقفة قد كشفوهم وعرفوا حقيقتهم .
بأختصار .. انه الغباء الاصطناعي ياسادة .