السفيرة صفية السهيل: التعاون العراقي السعودي واعد… وتمكين النساء ليس خيارًا بل ضرورة

في عالم السياسة والدبلوماسية، تبرز أسماء قليلة استطاعت أن تترك بصمتها بوضوح، وتُحدث فرقًا في المشهد العام، والسفيرة صفية السهيل واحدة من هذه الشخصيات. تنتمي إلى عائلة سياسية معروفة، وشقت طريقها في عالم الدبلوماسية والسياسة باجتهاد وثبات، حاملةً معها قضايا حقوق الإنسان والمرأة في كل موقع شغلته.
لمجلة صوتها كان هذا الحوار مع سعادة السفيرة صفية السهيل

-كيف كانت النشأة، ومن كان له التأثير الأكبر في تشكيل شخصيتكم ومسيرتكم؟

نشأت في بيتٍ آمنَ بالمرأة قائدةً وشريكة، لا تابعاً ولا ظلّاً. والدي الشهيد الشيخ طالب السهيل ، السياسي وزعيم قبيلة تميم العربية ، ربّى سبع بنات على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، مؤمناً بأن لكل فتاة الحق في أن تكون صوتاً فاعلاً في الشأن العام، كما في الخاص. أما والدتي منيرفا ” ام الورود سيدة المتمع العربي المعروفة بثقافتها و مبادراتها الانسانية ” ، ابنة النائب اللبناني الجنوبي الدكتور علي بدر الدبن ، فغرست فينا القوة الناعمة التي لا تُهزم ، القوة المبنية على الوعي والثقافة والانتماء. هذا الإرث العميق من كلا الجانبين لم يكن إرث اجتماعي فحسب، بل كان إرث مسؤولية تجاه مجتمعٍ لا ينهض إلا بنسائه ورجاله معاً.

-عملتي في سنوات مضت على تاسيس مجلس ثقافي يحمل اسمكم. ما الدور الذي لعبه في المشهد الثقافي العراقي والعربي؟

أسست “مجلس صفية السهيل الثقافي” عام 2007، في واحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخ العراق، وكان ذلك بدافع الإيمان العميق بأن الثقافة قادرة على أن تكون جسرًا للتعافي الوطني، ومنصة للحوار والتغيير.
انطلق المجلس ليكون ساحة مفتوحة للنقاشات الجادة حول قضايا المرأة، الديمقراطية، حقوق الإنسان، والتنوع الثقافي، واستضاف على مدار سنوات نُخَبًا من المثقفين، الأكاديميين، والناشطين من مختلف المشارب الفكرية والاجتماعية.


بعد انتقالي إلى المهام الدبلوماسية في عمّان، ثم روما، وحاليًا في الرياض، توقف نشاط المجلس مؤقتًا، لكن بقيت روحه حاضرة في كل خطوة، وأحمل معي قيمه في كل المحافل. واليوم، أعمل على إعادة تفعيله، ليعود بحلّة جديدة وأكثر اتساعًا، بحيث لا يقتصر على العاصمة بل يمتد إلى الأقضية والنواحي.
رسالتي من خلال هذا المجلس كانت وستبقى أن الثقافة ليست ترفًا، بل وسيلة ناعمة للتغيير، وأن تمكين المرأة لا يكون فقط عبر القوانين، بل أيضًا عبر الفكر، الفن، والتعليم، وهي الجبهات التي ننوي أن نفتحها من جديد

-كيف تنظرين إلى تطور العمل الدبلوماسي العراقي بعد 2003؟

بعد عام 2003، دخل العراق مرحلة تحوّل كبيرة، سواء داخليًا أو في سياق علاقاته الخارجية. وعلى الرغم من التحديات المعقدة التي رافقت تلك المرحلة، فإن العمل الدبلوماسي العراقي شهد تطورًا مهمًا في بنيته وأدائه، مع سعي واضح لإعادة بناء مكانة العراق إقليميًا ودوليًا.
الدبلوماسية العراقية اليوم أكثر حضورًا وفعالية، وتعكس تطلعات الشعب العراقي في بناء دولة مستقرة، ديمقراطية، ومنفتحة على العالم.
من خلال مواقعنا على رأس البعثات الدبلوماسية، نحرص على تقديم صورة حقيقية ومتوازنة عن العراق ، الوطن الذي يتمتع بإرث حضاري عريق، شعب عظيم متعدد ومتنوع يتطلع إلى السلام والتنمية. نحن ” الدبلوماسية ” نمثل دولة تسعى إلى بناء علاقات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

-أنتم من أبرز الأصوات النسوية في العراق، وكنتم أول امرأة تترشح لرئاسة الجمهورية. كيف ترين واقع المرأة العراقية اليوم؟

المرأة العراقية أثبتت كفاءتها وقدرتها في مختلف المجالات، وشهدنا حضورًا متزايدًا لها في المجالس المنتخبة، سواء في مجلس النواب أو المجالس المحلية، وكذلك في السلك الدبلوماسي، والقضاء، والإعلام، والقطاع الخاص، وريادة الأعمال. ومع ذلك، ورغم هذه المكتسبات، لا تزال المرأة مغيبة عن مواقع صنع القرار الفعلي، ما يستدعي التزامًا جادًا بتمكينها بشكل حقيقي لا شكلي.
تمكين المرأة ليس شعارًا يُرفع، بل هو ضرورة وطنية لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة. أما ترشيحي كأول امرأة تُرشَّح من قبل القوى الديمقراطية لرئاسة الجمهورية، فكان رسالة واضحة من التيارات المدنية والليبرالية العراقية، تؤكد أن المرأة العراقية قادرة ومؤهلة لتولي أعلى المناصب القيادية، متى ما أُتيحت لها الفرصة العادلة.

-كيف تصفين وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير في العراق؟

حرية التعبير وحقوق الإنسان مكفولة في الدستور العراقي، وهناك تطور ملموس في وعي المجتمع بأهمية هذه الحقوق. ومع ذلك، نُدرك أن الطريق لا يزال طويلاً، فالتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية تؤثر على واقع الحريات. هناك جهود تبذل لتعزيز بيئة أكثر احترامًا لحقوق الإنسان، ونحن بحاجة إلى تفعيل أكبر لدور المؤسسات، وتعاون مستمر بين الدولة والمجتمع المدني لضمان التوازن بين الحريات وحماية الاستقرار العام.

-سعادة السفيرة، كيف تصفين تجربتكم كسفيرة للعراق في المملكة العربية السعودية؟

تشرفت بتمثيل جمهورية العراق لدى المملكة العربية السعودية، في مرحلة تاريخية من علاقاتنا الثنائية، ويشرّفني أن أكون أول امرأة من الدول العربية والإسلامية تُعيَّن بصفة سفير فوق العادة مفوض لدى المملكة. هذا التعيين يمثل رسالة إيجابية عن التقدم الذي يشهده العراق في تمكين المرأة.


منذ تسلّمي لمهامي في الرياض، أتابع باهتمام ومسؤولية مجموعة من الملفات الثنائية التي تشمل التعاون الدبلوماسي، والاقتصادي، والثقافي، والأمني، فضلاً عن ملفات الاستثمار والطاقة، والنقل، وتيسير التبادل التجاري. نعمل باستمرار على تعزيز آليات التعاون المشترك من خلال اللجان التنسيقية والزيارات المتبادلة، بدعم وإرادة سياسية مشتركة من قيادتي البلدين.
وفي الجانب الثقافي، كان من دواعي سروري أن نشرف، بالتعاون مع وزارة الثقافة السعودية، على إقامة مهرجان “بين ثقافتين – العراق والسعودية”، الذي استضافته المملكة لأسبوعين ، حيث شكّل منصة للتعريف بالتراث والفنون العراقية والسعودية ، وشكّل خطوة نوعية في تعزيز التفاهم الثقافي بين شعبينا.
كما أتابع باهتمام ملفات المرأة والشباب والتعليم العالي. إن العلاقات العراقية السعودية اليوم في مرحلة ناضجة ومبشرة، والتعاون المستقبلي يحمل فرصًا واعدة لشعبينا، في ظل الإرادة السياسية الواضحة والرؤية المشتركة العراقية السعودية لمستقبل مستقر ومزدهر في المنطقة.

-سعادة السفيرة، كيف تقيّمين عمل منتدى الإعلاميات العراقيات منذ تأسيسه وحتى اليوم؟

منتدى الإعلاميات العراقيات يُعد من التجارب الرائدة في مجال تمكين المرأة داخل الحقل الإعلامي، وقد نجح منذ تأسيسه في تحقيق نقلة نوعية، ليس فقط في تسليط الضوء على قضايا العنف المهني والنوعي الذي تواجهه الإعلاميات، بل أيضًا في توفير مساحة حقيقية للتدريب والتطوير والتوعية. أود أن أُشيد بشكل خاص بالدكتورة نبراس المعموري، رئيسة المنتدى، التي أثبتت أنها امرأة مكافحة ومتمكنة، لم تتردد في التصدي للتحديات في وقت كانت الساحة شبه خالية من الأصوات المدافعة عن حقوق الإعلاميات. قيادتها المتميزة للمنتدى جعلته مرجعية مستقلة ومؤثرة، ومدافعة حقيقية عن حرية الإعلام.
المنتدى يشكل اليوم نموذجاً جديراً بالدعم والاحتضان، لأنه لا يكتفي برصد الانتهاكات، بل يسهم بفاعلية في تعزيز المهنية، وبناء بيئة إعلامية أكثر عدلاً وشمولاً في العراق.

-أخيرًا، ما هي رسالتكم للشباب العراقي؟

أؤمن أن الاستثمار الحقيقي لمستقبل العراق يبدأ من شبابه. الشباب هم الثروة الوطنية الأهم، وصمّام أمان الدولة واستقرارها. رسالتي لهم أن يتحملوا دورهم كمواطنين فاعلين، وأن ينخرطوا بوعي في بناء دولة المؤسسات، القائمة على القانون والمساواة والعدالة.
العراق لا يمكن أن ينهض دون مشاركة فاعلة ومنصفة للنساء ، وعلى رأسهن الشابات الواعدات.

شاهد أيضاً

زهراء سامي .. مؤمنة بالجيل الحالي لأنه أكثر قوة وإبداع

في عالم مليء بالإبداع والتميز، هناك شخصيات لا تكتفي بترك بصمة واحدة، بل تصنع بصمات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!