الجسد كدرس سوسيولوجي

صوتها/ ثقافة

أصبح حضور الجسد وتحليل رموزه وتمثلاته في العلوم الاجتماعية أمرا ضروريا لفهم بعض الظواهر المستحدثة التي ولدت في سياق ما بعد الحداثة، يمكننا اليوم الحديث عن تيّار “الجسدانية” كفرع من فروع علم الاجتماع والذي أصبح اليوم ركيزة هامة لفهم الإنسان في عصر ما بعد الحداثة وإن لم ينجح هذا التيّار في اكتساح الجامعات وحقول المعرفة العربية إلا أنّ هناك بعض المحاولات الجادة من طرف المفكرين والمختصين العرب في دراسة الجسد كمعطى سوسيولوجي يمكننا من خلاله قراءة التحولات الاجتماعية والسياسية التي تمرّ بها مجتمعاتنا العربية.

ظهر الاهتمام بموضوع الجسد منذ بدايات القرن العشرين خاصة مع مرسال موس( 1872- 1950) عالم الأنثربولوجيا الثقافية الذي يمكن القول أنّه أسس اللبنات الأولى لسوسيولوجيا الجسد من خلال دراساته المهمّة ” التعبير الإجباري عن العواطف” سنة 1921 ودراسته التي مازال يدرس على ضوئها الجسد كمعطى سوسيولوجي، ” تقنيات الجسد ” سنة 1936. تأمل مرسال موس طريقة استخدام الجسد كمعطى ثقافي في المجتمعات ويعرّفها كالآتي  ” ما يميّز تقنيات الجسد هو أنّها لا تعتمد شيئا آخر غير الجسد لكنّ الحركات التي يقوم بها الجسد، تعتبر أفعالا تقليدية أي من صميم التجربة المكتسبة اجتماعيا. إنّ مجموع الهابتوسات الجسدية تلقن وتعلم وهي في تطوّر مستمر. ويمكن دراسة تقنيات الجسد حسب السنّ والجنس “،  فمن خلال هذه التقنيات التي دمج فيها مرسال موس الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية يمكن معرفة الطباع الاجتماعية وجذورها فكلّ مجتمع قد استطاع بناء جسد خاص لأفراده كما يمكن من خلال هذه التقنيات بناء مفهوم كليّ للإنسان.

بعد الستينات من القرن الماضي قطع موضوع الجسد شوطا كبيرا في مجال المعرفة السوسيولوجية، وفي أوّل أشواط ظهور تيّار  الجسدانية  تبلور مصطلح ” سوسيولوجيا متقطعة ” حسب تعبير دافيد لوبروتون (1953 ) والذي انطلق من أطروحة أنّ الإنسان يصنع وينتج خصائص جسده من خلال اندماجه مع الآخرين وانخراطه في المجال الرمزي، ويذهب لوبروتون إلى مقولة أنّ الوضعية الاجتماعية ماهي إلا نتاج للجسد المباشر، إذ يمكننا قراءة خصال الإنسان انطلاقا من تقاطيع وتقاسيم وجهه.

و لا يمكن أن ننكر أنّ الفيلسوف الألماني نيتشه هو أوّل من دعا إلى تحرير الجسد من مقولات الروح والنفس  ” إننّي أرى جسدا لا غير، وما الروح إلا كلمة أطلقت لتعيين جزء من هذا الجسد ” دعا نيتشة إلى التصالح مع هذا الجسد المحقرّ في الفلسفة المثالية بل والاعتراف به، إنّه بثورته تلك على نواميس الفكر الغربي قد أسس لبدايات فلسفة الجسد ليصبح اليوم علما قائما بذاته في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

إذ يمكننا من خلال مملكة الحوّاس أن نقرأ بعض الظواهر المؤرقة في مرحلة ما بعد الحداثة كالمثلية الجنسية والإرهاب وفيمن والوشم وغيرها من القضايا التي مازالت تشغل أذهاننا فالجسد وعاء كبير للبنى الثقافية من خلاله يمكننا حلّ بعض الألغاز والطلاسم المستعصية.

شاهد أيضاً

حوارٌ فاضح

الاء الصوفي اعذرني على ما فعلت ….لم تكن في خاطري أذيتك….لم أعد كسابق عهدي ،تغيرت …

error: Content is protected !!