أول ترجمة كاملة لـ “عشيق الليدي تشاترلي”

صوتها- متابعات

ترجمة رواية “عشيق الليدي تشاترلي” للروائي البريطاني د.هـ. لورانس أحد أهم الكتاب الإنجليز في القرن العشرين أربع مرات لم يمنع الشاعر والمترجم عبدالمقصود عبدالكريم من ترجمتها المرة الخامسة مؤكدا بثقة أن ترجمته هذه “أول ترجمة كاملة إلى العربية”، واعترف أنه بدأ مسيرته مع الترجمة بترجمة د. هـ. لورانس، وقال “كنت أترجم من حين لآخر مقالا قصيرا أو قصة قصيرة، لكنني في 1989 بدأت ترجمة أول كتاب، وكان كتاب لورانس (فنتازيا الغريزة) وقد نشرته دار الهلال في عام 1992. قبلها لم يخطر ببالي قط أن أكون مترجما. ولم أحلم قط بمواصلة الترجمة”.ورأى عبدالمقصود الذي استعرض كافة الترجمات السابقة على ترجمته هذه موضحا أخطاءها أنه لا مانع عنده من ترجمة عمل أدبي عظيم تُرجم من قبل. على العكس تماما أعتبر تعدد الترجمات الجيدة لعمل أدبي عظيم إثراء من نوع ما، وخاصة إذا كان المترجم يتمتع بموهبة أدبية، وهذه الموهبة في رأيي شرط أساسي من شروط تقديم ترجمة أدبية جيدة. ويقدم كل مترجم قراءته للعمل وصياغته الخاصة لهذه القراءة، وعلى هذا الأساس حلمت بترجمة “عشيق الليدي تشاترلي” رغم وجود ترجمات لها أو ما يوصف بأنه ترجمات.
وأضاف في مقدمته للرواية الصادرة عن دار آفاق والتي رصد فيها جانبا من سيرة علاقته بالروائي البريطاني وروايته “كان كتاب (فنتازيا الغريزة) كتابا أثار إعجابي، كتابا في التحليل النفسي بالمعنى العلمي للتحليل النفسي. إنه كتاب يحمل كل شاعرية الشاعر وكل قدرته الروائية، كتاب أثار إعجابي وأثار فيّ روح التحدي. إنه كتاب صعب بلغة صعبة، فما بالك حين يكون المترجم في أولى خطواته في الترجمة، ويمكن القول بكل شجاعة إنه مازال يحبو، ومرات كثيرة كنت على وشك التوقف عن إتمام ترجمته، لكن روح التحدي استيقظت ولم يكن هناك ما يمكن أن يوقف مسيرتها، مهما تكن المعوقات. انتهيت من ترجمته ونشره، وأظن أنه حظي بالكثير من التقدير، التقدير الذي لم أحلم به”.
وأوضح عبدالمقصود “بعدها فكرت في ترجمة (عشيق الليدي تشاترلي) خاصة وأنني كنت قد قرأت ترجمة أمين العيوطي الصادرة عن دار الهلال، وخطر لي أن أقارن النص الإنجليزي بنص ترجمة العيوطي، وكنت في ذلك الوقت أحاول أن أتعلم بقراءة نصوص مترجمة لكبار المترجمين مع النصوص الأصلية، وكانت المفاجأة: ترجمة العيوطي مختصرة جدا، مختصرة بشكل مخل، وتشكل الحلم بترجمة الرواية، ولأسباب كثيرة بقي الحلم كامنا لسنوات وسنوات، حتى عرضت الفكرة على د. جابر عصفور حين كان رئيسا للمركز القومي للترجمة، فتردد في البداية، وأمام رغبتي الشديدة في ترجمة الرواية، وافق شفويا على ترجمتها على أن أترجم نص محاكمة الرواية أيضا وأن ينشر معها، وبعد خروجي من مكتبه، وأمام ذوقه الشديد في التعامل معي، قررت أنه لا داعي لإحراج الرجل، وربما تسبب له الترجمة مشاكل وظيفية هو في غنى عنها”.
وأشار عبدالمقصود إلى أن تغير الظروف بعد يناير 2011 ويونيو 2013 استيقظ الحلم مرة أخرى وعرضت الفكرة على الدكتور أنور مغيث وجاء الرفض هذه المرة لوجود ترجمة حنا عبود، وهي في الحقيقة ترجمة سيئة مليئة بأخطاء جسيمة، بأخطاء تشوه النص إلى حد كبير، ثم عرضت الأمر على الصديقة سوسن بشير لترجمة الرواية لدار آفاق، وكان الترحيب”.
الروائي البريطاني د. هـ. لورانس ولد عام 1885 ونشأ في نوتيجها مشاير وسط ميدلندز في إنجلترا وتوفي عام 1930 في فينس بفرنسا، وتدرو معظم أحداث “عشيق الليدي تشاترلي” حيث نشأ. واستخدم وفقا للمترجم اللهجة المحلية لهذه المنطقة لتقديم فهم أفضل لمكانة الشخصيات وطبقاتها الاجتماعية في أعماله ويبرز هذا بوضوح في هذه الرواية.وقد كتب لورانس روايات وقصصا قصيرة وقصائد ومسرحيات ومقالات وكتب رحلات ورسائل، وقد جعلته رواياته “أبناء وعشاق” 1913، و”قوس قزح” 1915، و”نساء عاشقات” 1920 و”عشيق الليدي تشاترلي” 1928.
وأضاف “في 1902 عمل مدرسا تحت التدريب في إيستوود وبتشجيع من صديقته جيسي تشامبرز بدأ الكتابة عام 1905 ونشر أول قصة في صحيفة محلية في عام 1907 ودرس في الجامعة من 1906 ـ 1908 وحصل على شهادة تؤهله للعمل مدرسا، وواصل كتابة القصائد والقصص القصيرة، وكتب مسودة روايته الأولى (الطاووس الأبيض). وفي عام 1908 ذهب للتدريس في إحدى ضواحي لندن، وأرسلت جيسي مجموعة من قصائده إلى محرر إحدى المجلات المهمة، واعترف المحرر بعبقرية لورانس وبدأت المجلة نشر أعماله، وقابل لورانس مجموعة من الكتاب الصاعدين ومنهم إزرا باوند، وأوصى محرر المجلة إحدى دور النشر بنشر روايته (الطاووس الأبيض) ونشرت عام 1911 ونشر روايته الثانية (المنتهك) في 1912 وحظيت باهتمام إدوارد جارنيت الذي نشر روايته الثالثة (أبناء وعشاق) في مؤسسته.
وفي الفترة 1911 ـ 1912 أصيب بنوبة من الالتهاب الرئوي. وقرر التخلي عن التدريس والعيش من الكتابة، ثم وقع في حب فريدة ويكلي وهرب معها وكانت زوجة أرستقراطية ألمانية لأستاذ جامعي في نوتنجهام. وذهب الاثنان إلى ألمانيا ثم إيطاليا حيث أتم كتابة (أبناء وعشاق) وتزوجا في 1914 في انجلترا بعد طلاق فريدة”.
وواصل عبدالمقصود رصد المسيرة الروائية للورانس حتى بلغ روايته “عشيق الليدي تشاترلي” والتي شرع لورانس في كتابة نسختها الأولى عام 1926. وفي عام 1928 صدرت الطبعة الأولى، “أصدرتها سرا مطبعة إيطالية، لأن لورانس لم يعثر على ناشر بريطاني، وحيث إنه لم تكن هناك حقوق ملكية فكرية على الكتاب صدرت طبعات عديدة مقرصنة في كل مكان وخاصة في الأماكن التي لا تخضع للرقابة. منها طبعة في باريس 1929 وطبعة منقحة في انجلترا 1932 ولم يطبع النص الكامل إلا في 1959 في نيويورك وفي لندن 1960 بعد اتخاذ القرارات القانونية بشأنها في المحاكمة الشهيرة بشأن الرواية ضد دار بنجوين التي نشرت الرواية، بموجب قانون المنشورات الفاحشة، وقد انتهت بتبرئة بنجوين وتبرير استخدام الرواية لمصطلحات جنسية كانت محظورة حتى ذلك الوقت وسمحت هذه القرارات بحرية نشرها وتداولها، وصارت الرواية نموذجا لعدد لا يحصى من الأوصاف الأدبية للأفعال الجنسية.والرواية تصور علاقة حب جنسي بين حواجز الطبقة والزواج، العشيق حارس طرائد عند زوج العشيقة، أي إنه بتعبير لورانس على لسان السير كلفورد تشاترلي زوج الليدي تشاترلي ينتمي للطبقة الخادمة، والعشيقة الليدي تشاترلي تنتمي للطبقة الحاكمة بتعبير لورانس على لسان الشخصية نفسها.
ورأى عبدالمقصود أن لورانس كان دائما يرى ضرورة ربط النشاط الجنسي بالمشاعر وكان خياله يتجاوز دائما حدود المسموح به، وكان يخضع للرقابة بالتفصيل. وفي “عشيق الليدي تشاترلي” يصف الأفعال الجنسية بشكل كامل باعتبارها تعبيرا عن الحب أو أمزجته. ويستخدم الكلمة العامية التي تدل على الفرج، مما اعتبر صادما. وبالمناسبة تكتفي الموسوعة البريطانية بوصف الكلمة بأنها الكلمة العامية المكونة من أربعة حروف cuntولا تذكرها. ويبدو أن ذكر الكلمة كتابة مازال خروجا على الذوق. ويذكر أن الكلمة ترد للمرة الأولى في الصفحة الأخيرة من الفصل الثاني عشر، وأن النسختين اللتين عثرت عليهما من الرواية على النت بصيغة بي دي إف من الرواية، تحذفان هذه الصفحة، يبدو أن وقع الكلمة الإنجليزية أسوأ بكثير من وقع مرادفها في العامية المصرية.
وقال عبدالمقصود إن ما يبقى قويا جدا واستثنائيا بشأن هذه الرواية ليس فقط صدقها في تصوير قوة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بل في الحقيقة أنها مازالت واحدة من الروايات القليلة في تاريخ الأدب الإنجليزي التي تعالج الرغبة الجنسية للمرأة وتصور تجربة المرأة ومتعتها في علاقة جنسية مرضية وخيبة أمها في علاقة جنسية غير مرضية. وكأن هذا لم يكن كافيا لتكون الرواية إحدى الروايات العظيمة في الأدب الإنجليزي، لكنها تمثل أيضا انعكاسا بارعا وعميقا لحالة المجتمع الحديث، والتهديد الذي يواجه الثقافة والإنسانية أمام المد المتواصل للتصنيع والرأسمالية.
ورغم شهرة التيمة الجنسية في الرواية وربما اعتبارها التيمة الأساسية، أعتقد أن التيمة الرئيسية للرواية هي العلاقة بين أرباب العمل “الطبقات الحاكمة” والعمال “الطبقات الخادمة”. ويمكن وضع علاقة العشق الجنسي في الرواية في إطار التيمة الثانية. إنها رغم كل شيء علاقة بين ملورز عامل متزوج من امرأة سوقية، وابن لأحد عمال مناجم الفحم، والليدي كونستنس أو كوني كما يختصر الاسم عادة في سياق الرواية، ليدي ابنة السير مالكولم وزوجة السير كلفورد، وهو بارون وكاتب حظي بقدر كبير من الشهرة عاد مشلولا من الحرب. وربما يكون ملورز والليدي تشاترلي النموذجين الوحيدين اللذين يحملان روح التمرد في الرواية، يعثر ملورز في عزلته التي اختارها لنفسه على امرأة حقيقية بعد حياة بائسة مع امرأة سوقية، وتعثر الليدي على رجل حقيقي، بعد أن سأمت الحياة مع زوجها العاجز، ومع عالم الأفكار المجردة، الجامدة والميتة وبعد علاقة عارضة وسريعة وغير مرضية مع كاتب من أصدقاء زوجها.

شاهد أيضاً

حوارٌ فاضح

الاء الصوفي اعذرني على ما فعلت ….لم تكن في خاطري أذيتك….لم أعد كسابق عهدي ،تغيرت …

error: Content is protected !!