ارتفاع معدلات تزويج القاصرات في العراق يهدد التماسك المجتمعي

رشا الحسيني

أجبرت أسرة الطفلة ريم أحمد، (١٤ سنة)، على ترك دراستها والحياة التي اعتادتها في العاصمة بغداد، وتم تزويجها بالإكراه من ابن خالتها الذي يسكن احدى القرى الريفية في أبو غريب، لتكون حبيسة الأعراف والتقاليد الاجتماعية والقبلية، وتتحمل حياة لم تتخيلها يوما بالعمل في الحقل ورعي المواشي، وخدمة اسرة كبيرة، يتقدم كل ذلك التعنيف اللفظي والجسدي الذي تتعرض له لأبسط الأسباب من زوجها الأمّي.

وتقول الفتاة، إن “الضرب والتجريح والاهانة اليومية التي كنت اتعرض لها من زوجي وأسرته صارت امرا معتادا، فلكل من والد زوجي وأمه أوامر خاصة، واشقائه الثلاثة المتزوجون أشياء أخرى، على الرغم من انهم متزوجون، لا تقاسم وباقي الزوجات ذات مرارة الكأس، وعلينا الصمت فعلى المرأة ان تتحمل حياة زوجها”.

انجبت ريم خلال عامين فتاتين، على الرغم من ذلك لم يكن يهتم الزوج بها او ببناتها، حاولت ان تعرف أسباب تأخره في العودة الى المنزل، لكن الضرب والاهانة والتجريح كان الرد في كل مرة تسأل فيها، حتى ايقنت بأن له علاقة مع فتاة أخرى.

وتوضح ريم، أن “مشاكل حصلت له مع أبناء عمه بسبب الأرض الزراعية والنزاعات على الحصة المائية، وعند تدخل الشرطة حكم على زوجي بالسجن لعامين، فاضطرت للعودة الى منزل اسرتي في بغداد، وانتظرته لسنتين حتى أنهي الحكم الصادر بحقه، وبعد خروجه من السجن رفض عودتي للعيش معه بذريعة لا عمل له”.

ثلاث سنوات مرت على الفتاة واسرتها ترفض طلبها المتكرر بالطلاق، لتبقى حبيسة العادات والتقاليد وتثاقل اخوتها من مسؤولية الانفاق عليها او بناتها.

زواج القاصرات واحد من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع خاصة في المناطق الريفية، وقد تزايد في الآونة الأخيرة في المدن ومنها العاصمة بغداد، لترتفع انعكاساته واثاره السلبية بحرمان الفتاة من عيش مرحلة الطفولة والمراهقة، وفرض مسؤوليات كبيرة عليها دون معرفتها عن الحقوق والواجبات الأسرية، وتجبر الفتيات على الحرمان من التعليم، وتضطرهن للحمل والإنجاب خضوعا للبيئة الاجتماعية المحيطة بهن، وتعريض الفتيات الى المشاكل الاجتماعية والصحية بسبب الحمل والإنجاب المبكر، كما ترى الأكاديمية والناشطة المدنية الدكتورة نهلة نجاح.

تحمل الباحثة الاجتماعية بيداء ايمن، الأسرة “مسؤولية ترك الفتاة للتعليم واجبراها علي البقاء في المنزل وتركها عرضة للإهمال والتوعية والتوجيه بشكل مباشر إلى أن البديل الطبيعي عن التعليم هو الزواج، وبالتالي تصبح الفتاة عشوائية ومضطربة، وقد تدخل في علاقات عاطفية فقط من أجل الزواج الذي يصبح حلما يطاردها وتسعى لتحقيقه”، مؤكدة على أن ” العادات والتقاليد سبب من أسباب الزواج المبكر بالإكراه، الذي قد يؤدي احيانا الى الانتحار”.

عرفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف زواج الأطفال على أنه أي زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي بين طفلٍ تحت سن 18 عاماً وشخص بالغ أو طفل آخر، واكدت المنظمة ان هذا النوع من الزواج يحرم الفتيات من طفولتهن ويهدد حياتهن وصحتهن، وأنهن سيكونن أكثر عرضة للعنف المنزلي ويقل احتمال بقائهن في المدرسة وسيعانين من مشاكل اقتصادية وصحية أسوأ من أقرانهن غير المتزوجات، وتنتقل في النهاية إلى أطفالهن وتزيد من الضغط على قدرة البلد على توفير خدمات صحية وتعليمية جيدة.

اعتمدت القوانين الوضعية في العراق على اساس الشريعة الاسلامية، وراعى المشرع ذلك في قانون الاحول الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، والحقه بجزاءات في حال مخالفة الولي واجبر القاصر على الزواج، لكنها لم تكن كافية للردع وحماية القاصرات.

ونصت المادة التاسعة من قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، عندما رتب جزاءات وعقوبات خاصة في هذه المادة وعاقب بعقوبة الجنحة والجناية على كل من الاغيار والاقارب في حال اجبار الشخص سواء كان ذكرا او انثى على الزواج بدون موافقته او رضاه ورتب عقوبة الحبس على الشخص، وفي المقابل ايضا حالة المنع ايضا الاجبار والمنع في حالة المنع ايضا رتب الجزاءات المفروضة وعاقب عليها بعقوبة الحبس، وفي الشق الثاني من المادة التاسعة ايضا قد رتب المشرع العراقي جزاء اقوى من الجزاء بالعقوبة بالردع اقوى من الجزاء الوارد بالمادة الاولى، عندما اشترط لمعاقبة الاغيار والاقارب ومن غير الاقارب بالدرجة الاولى بعقوبة السجن، اي انه اصبح يحمل وصف عقوبة المنع او الاجبار على الزواج بعقوبة الجناية اذا كان قريبا ليس من الدرجة الاولى، اذا كان قريبا من الدرجة الاولى الحبس وعقوبته الجنحة، اذا كان من غير الدرجة الاولى فتعتبر هذه جناية وبالتالي رتب عليه هذه الجزاءات التي تعتبر حماية لحقوق المرأة.

من جانبها توضح المحامية رجاء عبد علي، أن “آخر احصائية لمجلس القضاء الاعلى لشهر آب 2021 سجلت حالات تسجيل الطلاق الخارجي 4,557 اما التفريق بحكم قضائي بلغت 1,660 وهذا الامر يقودنا الى متابعة اكبر لملف زواج القاصرات لاسيما ان اغلب الطلاقات بسبب زواج القاصرات”، وتدعو الى “أهمية وجود برامج عن الإرشاد الأسري والزواج على غرار الكثير من الدول الأخرى، ويمكن أن يقدَّم من مؤسسات حكومية أو منظمات مجتمع مدني، بهدف تخفيف حالات العنف الأسري والحد من الطلاق نتيجة لتوعية المقبلين على الزواج بحقوقهم وواجباتهم. اضافة الى مكافحة الامية وتسرب الفتيات من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية”.

شاهد أيضاً

التعنيف اللفظي والنفسي.. كابوس لم يُسلط الضوء عليه

آية منصور تبدو التربوية انتصار محمد، قلقة على بعض طلابها الذين وفي كل عام دراسي، …

error: Content is protected !!