المرأة في المجتمع اليوناني بين الأسطورة والواقع

الدكتورة أيسر عبد الرحمن محمد

عدَّت المرأة مقياساً لتقدم المجتمع أو تخلفهِ، وهي إلى جانب الرجل أسست الأسرة والمجتمع والدولة والحضارة، وبالتالي أسست الحياة، كان للمرأة أدواراً عديدة ذات أهمية في العديد من المجالات وعلى مختلف الأصعدة، فنجد أمثلة عديدة للنساء فهناك الأم والزوجة، وهناك المرأة الجميلة الفاتنة الوديعة والمرأة القوية المتسلطة والمرأة المُضحية وغيرها، إذ نجد مظاهر عقيدية مرتبطة بالمرأة وجدنا في بلاد اليونان (منذورات المعابد) مثل عذارى معبد (فستا) وهن عذارى ست كن يخترن منذ الصغر من أجمل فتيات المدينة وأرقى الأسر ليُرسلن في سن السادسة إلى المعبد ليؤدبن ويهذبن ويتلقين الدروس الخاصة بالرهبنة، ثم يخدمن الآلهة عشر سنوات، فإذا فرغن من ذلك بقين عشر سنوات أخرى لتعليم الراهبات الصغيرات، وبعد انقضاء المدة وبلوغ الواحدة منهن ست وثلاثون سنة عادت لهن حريتهن ولهن حرية الاختيار في البقاء في المعبد أو الخروج منه.

    والجدير بالذكر أن فيستا أو هيستيا كانت إحدى أخوات الإله زيوس، وسميت (إلهة الموقد)، رمز الحياة العائلية، تحضر حين يُطاف بالمولود الجديد حول موقد المنزل في يومه الخامس وهو يوم الاحتفال بتسميته يُعترف بهِ عضواً في المجتمع، كما إنها كانت إلهة السلام.

     ونجد في أوذيسة هوميروس مثالاً للمرأة الوفية التي تحافظ على قلبها من أن ينحرف  للحظة عن الحبيب، وهي تتذوق لوعة الانتظار وتتأمل رجوع الحبيب كي ينقذها مما هي فيه، فتجسدهُ (بينلوب) زوجة (أوديسيوس)، فبعد رحيل زوجها وغيابه فترة طويلة، يتقدم لها الملوك والأمراء طالبين يدها للزواج ألا إنها تبقى مخلصة ووفية لزوجها، وفي لحظة عودته يخفق قلبها بشدة وتنطلق إليه قائلة: “لا تنقم عليَّ إذاً يا أوديسيوس، ولا يحزنك أنني لم أعرفك منذ أول نظرة، لقد قضت الآلهة ان نفترق ونتعذب كل هذه السنين، والآن فأهنأ ولأهنأ أنا وليطمئن قلبي، قلبي الوفي الذي أردهُ إليك عهدك به لا ينطوي إلاّ على حبك ولا يضمرُ غير الوفاء لك”. 

   ونجد في الأوذيسة امرأة أخرى هي (كاليبسو) الجميلة التي تنقذ أوديسيوس، وتقع في حبه وتعتني به وتقدم لهُ المساعدة والعون، ولكنه يتركها ليعود إلى وطنه و وزوجته.

   وهناك المرأة القوية وخير من يمثلها النساء الأمازونيات، وهي قبيلة المحاربات، يحيين حياة حافلة بالشجاعة وينقسمن على فرق منها فرق للحراسة، وفريق للغزو، وآخر للشرطة والعسس، وآخر يعمل فيالأسطول يُلقي الرعب بالشواطئ.

  أما هزيود فقد نظر إلى المرأة انطلاقاً من منظوره التشاؤمي لحركة التاريخ وتراجعه من العصر الذهبي والفضي فالبرونزي والحديدي وصولاً إلى زمان (العصر الترابي) بأنها مصدر الشر المتمثلة بـ (بندورا) التي جلبت سوء المصير لأبنائها، حيث جاء في مأثورة (يومينيدس): “لزمن طويل فإن قبائل الإنسان المختلفة عاشت حرة بعيدة عن الآلام و المصائب والمتاعب، ولكن هذه المرأة بندورا رفعت الغطاء عن الجرة بيدها ونثرت كل هذه المصائب”.

    أما على الصعيد الاجتماعي/ الحيوي نجد ان القوانين الاجتماعية وحقوق المرأة اليونانية في ظل هذه القوانين، قد اختلفت من مدينة لأخرى فمثلاً في أتيكا (أثينا) كان الرجال والنساء يعترفون اعترافاً صريحاً بأنَّ العلاقة الجنسية هي أساس الحب، ولم يحددوا الممارسات الجنسية فجعلوا الحيض أمراً طبيعياً ولم ينظروا إليه على انه شيء غير طاهر، وأنهم لم ينظروا نظرة استهجان لتعرية الجسم، بل على العكس مجدوا الجسم، ورأوا ان الفرد يجب أن يكون خيراً وجميلاً في آن واحد، فالجسم الجميل ضروري للروح الجميلة، ونجد أثر ذلك في آداب اليونان وآثارهم وخاصة التماثيل العارية.

    لقد كانت وظيفة الزوجة تقتصر على إنجاب الأطفال الشرعيين وخاصة الذكور بالإضافة إلى العناية بالأمور المنزلية. أما فيما يتعلق بطقوس الزواج فقد كان الزواج عادة ما يتفق والدا الزوجين أو خطاب محترفين، وكان الرجل يهتم بالبائنة (المهر) اكثر من الحب، فقد كان ينتظر من والد الفتاة أن يهيئ لإبنته بائنة من المال والثياب والجواهر والعبيد، إلا ان هذه البائنة تبقى ملكاً للزوجة وتعود إليها في حال طلاقها، وإذا لم يكن للفتاة بائنة فأنها قلما تجد زوجاً لها، لذا كان أقاربها يعاونون والدها ليعدوا لها بائنة تشجع الخاطبين على الزواج منها.

​وبعد اختيار الفتاة والاتفاق على بائنتها تتم خطبتها رسمياً في بيت والدها، وكان لا بد من حضور الشهود، أما حضور الفتاة نفسها فلم يكن ضرورياً، وكان لا بد ان تتم هذه الخطبة الرسمية وبخلافه لم يعترف القانون الأثيني بالزواج. 

​أما بالنسبة للطلاق فقد كان من السهل على الزوج ان يطلق زوجته أو يطردها من البيت دون أن يبدي لذلك سبباً، كما ان زنا المرأة (الزوجة) يؤدي إلى الطلاق وإخراجها من البيت بعكس الرجل إذا ارتكب الزنا لم يؤدِ ذلك إلى الطلاق، بالإضافة إلى ذلك كان عقم المرأة سبباً كافياً لطلاقها لأن الغرض من الزواج هو الإنجاب.​ولم يكن للمرأة ان تترك زوجها متى شاءت، ولكن كان بوسعها أن تطلب من الحاكم أن يطلقها من زوجها إذا قسى عليها أو تجاوز حد الاعتدال في معاملتها، وكان الطلاق يباح إذا أتفق الزوجان وتم ذلك بإعلان رسمي شرط أن يبقى الأولاد مع أبيهم. 

     وكان الرجل إذا توفي ولم يكن لهُ أولاد، انتقلت ممتلكاته إلى أقربائه حسب ترتيب الأولوية: الأب، الإخوة وأولادهم، الأخوات وأولادهن، أبناء الأعمام والعمات وأبناء الأخوال والخالات، ويتم استبعاد الأم وإخوتها.

     أما المجتمع السبارطي فتميز بحرية النساء وسعة نفوذهن فقد كانت النساء مخيرات للتجول علناً، ولم تكن الخيانة الزوجية معاقباً عليها، هذا وقد حددت القوانين أنسب سن للزواج سن الثلاثين للرجل والعشرين للمرأة، هذا بالإضافة إلى إخضاع النساء والرجال لتدريبات جسدية ليتمكنوا من إنجاب أطفال أقوياء البنية، لتتكفل الدولة بتربيتهم وتعليمهم حيث كان الطفل (الذكر) يؤخذ من والديه في سن السابعة ليتم تدريبه وإعداده إلى أن يبلغ الثامنة عشرة فيتخذ مكان إقامته في (بيت الرجال)، حيث كان يأكل وينام مع الرجال الآخرين ويقضي اليوم بالتدريبات العسكرية. أما البنات فيتم تدريبهم في بيوت أبائهن على الألعاب الرياضية المختلفة لضمان قوة أجسامهن وصحتهن ليتمكن من إنجاب أطفال أصحاء في المستقبل.

     أما في (غورتينا) فقد كانت الزوجة تحتفظ بحقوقها وملكيتها التي جلبتها كدوطة (مهر)، وفي حال طلقها زوجها لابد أن يدفع لها مبلغاً قدره خمسة ستاتيرات من النقود، وكانت البنت ترث نصف ما للابن، في حال موت الأب، وإذا لم يكن لهُ أولاد تنتقل الأملاك كلها إلى البنت التي كان بإمكانها أن ترفض الزواج بأقرب الأنسباء شريطة أن تتنازل لهُ عن جزء من الأموال والتركة.

أهم المصادر:

1. هوميروس: الأوذيسة​

2. ولّ ديورانت: قصة الحضارة

3. عبد الله مراغي: الزواج والطلاق في جميع الأديان

4. دريني خشبة: أساطير الحب والجمال عند اليونان

شاهد أيضاً

جواهر الأرض ونجوم السماء

إيناس الموسوي متجدده وطموحه ومعطاء ..هي بذرة الخير ايقونة الوفاء…صبوره حاملة المصاعب والشقاءتنير دربك كالشمعه …

error: Content is protected !!