هيثم جبار: العرب فقط هم من يكتبون الشعر التقليدي

محمد الحمامصي

يسعى الناقد والشاعر العراقي هيثم جبار إلى تقديم رؤية شعرية تنطلق من تشكيلات إيقاعية ولغوية ومشهدية خاصة، وقد تجلى ذلك في ديوانه الجديد “حياة بكامل أوهامها” والذي قدم له الناقدان د. حاتم الصكر وياسين النصير لافتين إلى أن قصيدة الشاعر تسعى إلى تحقيق خصوصيتها والانعتاق من ربقة الماضي وسطوته.

وفي هذا الحوار نتعرف على جانب من تجربته الشعرية والنقدية ورؤيته للمشهدين الشعري والثقافي في العراق.

بداية يلفت هيثم جبار إلى أن الشاعر يولد شاعرا من دون أي مؤهلات مناخية، لذا نرى الأمير شاعرا والفقير شاعرا، ونرى الإنسان الكامل الرقيق شاعرا، ونرى من يمتلك صفات حيوانية شاعرا أيضا، لا توجد هناك مناخات تصنع شاعرا ومناخات لا تصنع شاعرا. نعم المعاناة كما قال أدونيس في حواراته “لا شعر دون معاناة” المعاناة تخلق شاعرا وتصقل موهبته، ولا اظن مر انسان عربي بمعاناة بمثل ما مر به الانسان العراقي، فالمعاناة هي المناخ الاول والاخير لكل شاعر.

وأضاف “في بدايتي كأي شاعر مولع بالشعر العمودي كنت أنظمه بشكل دوري، ولكن وصلت الى مرحلة سئمت حتى شعري، بسبب التكرار والتشابه بين قصائدي وبين قصائد أقراني المجايلين، لذا تركت الشعر المعودي نهائيا والتجأت الى قصيدة النثر بدون ان امر بقصيدة التفعيلة مر الكرام، ولا أنكر أن هناك كتبا شكلت انقلابا جذريا في رؤياي الشعرية ككتاب “التجربة الخلاقة” لـ س. ام. بورا، وكتاب “الشعرية العربية” لادونيس، وهو كتاب صغير في حجمه كبير في مفهومه ورؤياه، وكتاب “قصيدة النثر من بودلير الى ايامنا”، والكثير من الكتب التي تأثرت بها لا تحضرني أسماؤها.

وحول ديوانه الأول وصداه والإضافة التي حققها الديوان الثاني، قال “بالتاكيد أخذ صداه فديواني الأول أو المجموعة الشعرية الأولى التي أطلق تسميتها الشاعر الراحل حسين عبداللطيف بــ “زاد الطريق” حيث كان يعلم أني أكتب الشعر العمودي وتفاجأ حين وضعت بين يديه مجموعة نثرية، فقال لي الآن بدأت بالشعر فسمها “زاد الطريق”، وكانت أول تجربة بقصيدة النثر وأعترف أنها كانت تجربة بسيطة، ولكنها كبداية لم أمتلك بها مفردات خاصة بي كشاعر، لم يكن هناك مشروع كتاب شعري وإنما مجموعة من القصائد النثرية الجميلة، أما في المجموعة الثانية والتي أسميتها “حياة بكامل أوهامها” وضعت سمة خاصة بها وهي سمة التمرد، والطعن بالتابوهات والعمل على تهديم وتقويض المقدس، وإن كل ما نقوم به من أعمال هو عبارة عن وهم، كلامنا وشعرنا وعلاقاتنا وأعمالنا كلها وهم في وهم.

وأكد هيثم جبار أن قصيدة النثر اليوم تتربع على عرش الشعر العالمي، العرب فقط هم من يحرصون على أن يكتبوا الشعر التقليدي الذي كتبه أجدادهم قبل ألفي سنة ولحد الآن، جميع الأمم تخلت عن أشكال شعرها التقليدي إلا نحن، فالانكليز لا يكتبون الآن قصائد كالسوناتات التي كتبها شكسبير قبل اكثر من 400 سنة، فالشعر اليوم هو لقصيدة النثر والبقاء هو لقصيدة النثر لا غير، أما من يقول أن قصيدة النثر أجنبية مستوردة عن طريق الترجمة، فأنا أول من يقر بهذا وأقول ما الضير في ذلك إذا كانت كل حياتنا هي مستوردة، الحاسوب والجوال وملابسنا هي غربية، ما الضير أن تكون قصيدة النثر غربية استوردها أنسي الحاج وأدونيس وجماعة مجلة شعر.

أما من يقول إن لها جذورا تاريخية في تاريخنا العربي نعم ولكن هذه الجذور كانت لا تعد شعرا، أبو حيان التوحيدي قتله الجوع لولا أن يتداركه أحد الأمراء في نهاية عمره، وكان يكتب دررا بالنثر ولكنه لا يعد شعرا، هل يصح أن نقول إن دي سيرفانتس ليس هو الرائد لكتابة الرواية ودون كيشوت لا تعد من الروايات الأولى الرائدة، لأن الرواية كتبها العرب قبل ألف سنة، ففي ألف ليلة ولية رواية الفرسان الثلاثة ورواية السندباد البحري وفي القرآن الكريم رواية عيسى وموسى ويوسف، طبعا لا يصح هذا القول؟ لماذا لأن كل الروايات التي كانت في تاريخنا العربي كانت لا تعد جنسا أدبيا كرواية، كذلك قصيدة النثر، النثر الموجود في تاريخنا العربي لا يعد شعرا كجنس أدبي فما الضير إن قلت إنها مستوردة.

ورأى هيثم جبار أنه ليس الوحيد الذي خاب ظنه بالمثقف العربي، بل كل إنسان بعيد عن المشهد الثقافي ثم يآتي ويندمج بالوسط الثقافي ينصدم، كنت أظن أن شريحة المثقفين أو الشعراء شريحة ملائكة ولكن تبين لي أن شريحة المثقين لا تختلف اختلافا كبيرا عن شريحة البقالين، تراه مثقفا كبيرا قد قرأ أطنانا من الكتب ولكن للاسف تصرفاته وسلوكه مع الآخرين سلوك بقال، لا توجد ثقافة فعلية بل توجد ثقافة شفاهية، أو ورقية (حبر على ورق)، ولكن كفعل ثقافي لا يوجد. إذن المثقف العربي مثقف فارغ لذا أسميت كتابي النقدي (بالونات ثقافية)، مقالات في الأدب وسايكولوجية المثقف، وهو نقد لشخصية المثقف وليس لنتاجه وكتبه.

وأكد أن مشهد قصيدة النثر في البصرة هو أروع وأجمل من جميع المشاهد في بقية المحافظات العراقية، ففي بعض المحافظات لا توجد فيها قصيدة نثر كالنجف مثلا السطوة لديهم للشعر العمودي، كذلك العاصمة بغداد تجد شعراء القصيدة العمودية لهم السطوة الاولى، أما في البصرة فالمشهد بأكمله لقصيدة النثر ويعقد كل سنة مهرجان أو ملتقى لقصيدة النثر يحضرون به كل شعراء العراق عدا العموديين.

وأشار هيثم جبار إلى غياب النقد، وقال “في الحقيقة ليس لدينا نقاد شعر، أغلب نقادنا هم نقاد سرد، ولدينا كم ناقد لا يكتب إلا عن النساء، علما أنه لا توجد شاعرة متميزة، فأغلب شاعراتنا العربيات والعراقيات يكتبن خواطر إلا ما ندر، والناقد الذي لا يميز القصيدة من الخاطرة من المؤكد أنه لا يمتلك أدوات التعامل مع النص الحديث.

ولفت هيثم جبار إلى أن المشهد الثقافي العراقي لا يختلف عن المشهد السياسي الخرب في مجمل البلدان العربية، فاذا كان هناك خلل في المشهد السياسي، وهناك خلل في النظام الاقتصادي وهناك خلل في جميع الأنظمة التربوية، فماذا تتوقع أن يكون المشهد الثقافي؟ بالتاكيد سيظهر لك ثقافة تقليدية خربة أيضا، نرى العودة ليس في الشعر العمودي القديم بل العودة للثقافات القديمة، كل البلدان العربية ترجع الى الخلف لا تتقدم، انظر إلى بغداد والقاهرة وبيروت في سبعينيات القرن الماضي وانظر لهن الآن، انظر إلى الشارع، إلى الناس، إلى المنقبات والمنقبين أصحاب الظلام وكارهين النور، يقول عبدالله القصيمي: يستحيل أن تتقدم أمة العرب، لأنها الأمة الوحيدة التي لا تلد أجيالا جديدة بل تلد شيوخا قديمة. مئات الآلاف من الدولارات بل الملايين تنفق من أجل إفشاء الثقافات القديمة، من أجل القصيدة العمودية.

شاهد أيضاً

حوارٌ فاضح

الاء الصوفي اعذرني على ما فعلت ….لم تكن في خاطري أذيتك….لم أعد كسابق عهدي ،تغيرت …

error: Content is protected !!