مؤتمر المانحين في الكويت.. تساؤلات

صادق البهادلي

    لا شك أن هناك العديد من التساؤلات حول مؤتمر المانحين في الكويت بالرغم من أن كلمة المانحين تشعرك بالاطمئنان، فمن يسمعها يشعر بالارتياح كأن هناك دولا، مؤسسات، مستثمرين مستعدين لمساعدة العراق من خلال إقامة مشاريع استثمارية. هذه المشاريع ستعود بالفائدة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في العراق. فمن المعلوم للجميع أن مدن الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك تعرضت إلى دمار هائل بسبب الحرب على داعش الذي سيطر على تلك المدن منذ منتصف 2014. وأسفرت هذه الحرب عن خسائر كبيرة في البنية التحتية في المدن المحررة من جسور ومجمعات تجارية ومستشفيات وجامعات ومدارس ودوائر حكومية وخدمية ومحطات الماء والكهرباء ومئات المعامل والمصانع وآلاف المنازل، وعشرات المجمعات السكنية.

    لكن ما يثير التساؤل هنا: هل فعلا سيحصل العراق في هذا المؤتمر على المبلغ المطلوب، وهو 100 مليار دولار لإعمار هذه المدن؟

هل نتوقع أن هذه الدول والمؤسسات ـ جمعيات خيرية ام منظمات مجتمع مدني أم مصارف اسلامية ـ تقدم قرضا حسنا؟

بالتأكيد، هذا لن يحصل. فالعملية استثمارية واقتصادية غايتها الربح؛ اذ أن العراق سيعرض 157 مشروعا للاستثمار في قطاعات الاسمدة والبتروكيمياويات والنقل والمطارات والسكن والطرق السريعة التي تربط البصرة مع بغداد. كذلك طريق بغداد ـ كركوك، وطريق بغداد ـ عمان؛ حيث تجري خصخصة هذه الطرق، وأن استخدامها بعد تأهيلها سيكون مقابل ثمن أو رسم محدد من المستثمر الاجنبي.

لذلك هل يحق لنا أن نتفاءل أم نتشاءم؟

هل فعلا أن العراق سيحصل على مبلغ 100  مليار دولار، من خلال التزام المانحين بوعودهم في مؤتمر الكويت؟

هل هناك شروط للحصول على هذا المبلغ من خلال قيام حكومة العبادي بالتحاور مع إقليم كردستان؟

ماذا بشأن دعوات محاربة الفساد المالي المستشري في مؤسسات الدول لضمان وصول المنح؟ اذ تشير بيانات مؤسسات دولية الى أن العراق يحتل 169 من مجموع 175 دولة في مؤشرات الفساد في العالم، لذلك البعض يتخوف من أن تذهب هذه الاموال، كما ذهبت الاموال المخصصة للاستثمار منذ عام 2003 فلا أحد يعلم أين ذهبت مليارات الدولارات التي تدفقت على العراق، والتي ضاع اغلبها في صالح الفساد، الأمر الذي يدفع بعض المانحين الى التردد ورفض الاستثمار في العراق، لذلك وجود حلقات الفساد ونفوذها وسيطرتها على مرافق مهمة في الدولة، سيجعل من التلاعب بهذه الأموال أمرا سهل المنال، وبالتالي لا يصل الى النفع العام منها الا الجزء اليسير. وهذا امر مخيف. وطبعا هذا في حالة حولت الاموال الى الحكومة. أنا لا أعتقد بذلك، لأن الدول والمؤسسات والمستثمرين سيطالبون هنا بضمانات على الحكومة، فضلا عن حصولهم على ضمانات من مؤسسات دولية.

تساؤلات أخرى في ما يتعلق هل سيفتح مؤتمر المانحين باب التدخلات الخارجية في البلاد؟ بمعنى هل هناك شروط دولية ام اقليمية تفرض على العراق، بأن يكون على سبيل المثال سوقا للملكة العربية السعودية أم سوقا للكويت أم هناك شروط أخرى تتعلق بمشروع الفاو الكبير أم المطالبات بخور عبدالله؟

ماذا بشأن خلافات قد تحصل بين الكتل السياسية الكبيرة، لأن بعض المشاريع الاستثمارية المقدمة الى مؤتمر المانحين تتضمن مشاريع في الجنوب وفي العاصمة، فيما كان الإعلان أن هذا المؤتمر مخصص لإعادة إعمار المدن المحررة من داعش، وبالتالي هل سنشهد خلافات على هذا الموضوع مستقبلا.

ليس لنا الا التفاؤل بتحقيق المانحين لوعودهم في مؤتمر الكويت، لأن العراق اليوم أمام مشاكل وتحديات كبيرة، ويجب أن يقف العالم معنا. ومن الصعب جدا أن تقوم الحكومة العراقية وحدها بتغطية ما تحتاجه المدن المدمرة والمحررة، الأمر الذي يتطلب وقفة من الدول الصديقة والشقيقة والعالم لتأمين مبالغ أعادة الاعمال ومساعدة العراق في إعمار أراضيه التي تم تحريرها من تنظيم “داعش”، لا سيما أن العراق تحمّل معركة الحرب مع داعش نيابة عن العالم. 

شاهد أيضاً

القوة الناعمة للعلاقات العامة الدوليَّة 

د. محمد وليد صالح  كاتب عراقي القدرة على الاستقطاب والإقناع المعتمدة على أساليب قوامها نشر الأفكار …

error: Content is protected !!