حنان الدليمي: الحزن والشجن يهذبان الروح والحرف في آنٍ واحد

صوتها/حوارات

حاورها/بسام الطعان

لا شيء في الحياة محض صدفة، وشاعرتنا حنان تنساب مثل القصيدة، ظلت وفية لمدينتها بغداد ولم تغادرها كما غادرها الكثير من مبدعيها ومبدعاتها، ولأنها لم تحمل معها بغداد/ها/ وترحل، ظلت بغداد هي الأخرى وفية لها، تحتويها في حضنها وتمنحها زمناً للإبداع وتهدل فيه القصيدة، وشاعرتنا حنان وحيد الدليمي هي من مواليد بغداد 1980 وتنشر نتاجها في الصحف والدوريات المحلة والعربية.

ـ لكل مبدع بداية، نقطة تحول، حدثينا عن تجربتكِ الشعرية، وعن القصيدة الاولى ، وما دافعكِ؟

*أستهلُ حديثي بتحية الإسلام( السلام عليكم ورحمة الله) ثم الصلاة والسلام على فخر الكائنات وسيد الأنام محمد المصطفى وعلى آله الأطهار وصحبه الكرام..  تجربتي الشعرية وبداياتي كانت متواضعة، ألفيتها منذ نعومة أظفاري تشدني إليها كسحرٍ منبعثٍ من عوالمٍ أخرى، أخذتني حتى من طفولتي، فأسترق نفسي لكي أجدني بين كتب ونصوص أخي الأكبر، أقرأ بنهم وتوق لهذا الشيء الذي أسرني بالرغم من جهلي لمكنوناتهِ وتفاصيله . إنه الشعر، الحب الأول والشهقة الشعورية البكر، التي كانت وما زالت وستبقى إلى أن يشاء الله حاضرة عبقة حية بين أنفاسي، وكأي فتاة شرقية محاطة بمجتمع قبلي محافظ كنت أخشى من التوغل في أعماق هذه الهبة وتارةً يمنعني الحياءُ والخوف من المجهول في المضي قُدما، وتمرّ السنون وتلك الصبية يأسرها ذات السحر بدافع أقوى وانضج ألا وهو حب الاطلاع والثقافة والانجذاب نحو كل ما يخص الأدب العربي بصورة عامة، وصوب كل ما يحمل إجابات وافية وإشباع لهذا الجوع الشعوري والاحتياج العاطفي المفعم بالرغبة . جميل بثينة ، روايات إحسان عبد القدوس، نزار قباني والرسم بالكلمات، لميعة عباس عمارة وفدوى طوقان، عنترة العبسي ومجنون ليلى، جميع هذه الكنوز بين يدي حنان التي كانت أصغر من أن تُدرك ما ينتظرها فلذلك أعترف خشيت أن أكتب وأنا بين هذا الكم الهائل العظيم الذي يمثل تاريخ الأدب العربي القديم والمعاصر فآثرت القراءة لسنين عديدة، من ثم الانشغال بالحياة الاجتماعية والأولاد والوضع العام للبلد كلها أسباب حالت دون التجرؤ على فكرة الكتابة وتنفيذها على أرض الواقع إلى أن جاء الوقت المناسب وتهيأت الأسباب وعُقد العزم بعد المشيئة لتعلم البحور والأوزان ولو بشكل يتيح لأذني الموسيقية أن تعي ما تسمع من جمال آخاذ سلب لب الذائقة واستولى على هواجس النفس وتأملاتها فأمست تلك الفترة التي شابها التوجس من اقتناص الفرصة بأن تُكون أرض خصبة للإبداع ومخيلة ثرية نوعًا ما بالصور الشعرية والقابلية على ابتكارها فكان لبحر الوافر والكامل قصب السبق في إبراز الإمكانية والتجربة الشعرية في بداياتها ، فقلت آنذاك:

سأعتلي شمم القصيدةِ طالما

لك في الفؤادِ مكانة وحضور

حتى وإن عانيتَ كبوة فارسٍ

لن يفنَ في قلبي الأسير شعورُ

أوقدتَ حرفي في غيابكَ جذوةً

حتى استماتت في هواكَ سطورُ

فكانت بداية بسيطة موفقة نوعًا ما على بحر الكامل جرّت خلفها تجارب أخرى نسأل الله فيها التوفيق والتميز.

ـ  قصيدتك الجميلة (كم تُعاني بصمتها بغدادُ) نصها معبّر، ولغتها جميلة جدا ، ما مصادر صور أشعاركِ ولغتكِ؟

*هذا من ذوقكَ الأجمل .. القصيدة كُتبت على بحر الخفيف وكأي نص له ظروفه ومعطياته وحالة الشاعر الإنسانية والشعورية هي الفيصل آن ذاك، أما المصادر فهي هبة إلهية وتراكمات معرفية وعاطفية أنتجتها التجارب.

ـ العراق ولاّدٌ بالشعر والشعراء، واليوم في العراق جيلٌ يأخذ بالشعر العراقي نحو آفاق حداثوية جميلة، ولا يخلو يوم في العراق دون ولادة شاعر، ودون ولادة دواوين شعرية في مطابع العراق ومطابع العالم. ما رأيكِ؟

*بالفعل هنالك نهضة شعرية واضحة تبشّر بخير والنوع في هذه الحالة يتقدم بالمفاضلة على الكم فالكثرة لا تعني بالضرورة الموهبة الحقة لكن حب اللغة والشعر بالذات ما يدفع الفرد العراقي للتعبير من خلاله عن همومه ومعاناته، وكما تعلم أن الإبداع يولد من رحم المعاناة.

ـ هل في قصائدكِ حضور كبير للفرح أم للحزن، ولماذا؟

*الحقيقة أن الحزن والشجن يهذبان الروح والحرف في آنٍ واحد فأجدني أمضي للكتابة طائعة حينما يعتريني ألم من عارض ما أو فراق أحبة ،لذلك تجد أجمل ما قيل في الشعر العربي نصوصًا أحاطها الحزن والشعور بالحيف أو الغربة.

ـ المرأة  كائن مبدع  بالفطرة ولا يفصل بينها وبين الخلق الفني سوى  العثور على صوتها الموؤد، وفي البلاد العربية ولادة المبدعة غالباً تكون أشبع بعملية قيصرية بسبب العقبات التي تواجهها  تارة من قبل العائلة وتارة من المجتمع لذلك نجد حضور المرأة ضئيلاً في المشهد الثقافي مقارنة بحضور الرجل. ما رأيكِ؟

*وجهة نظر سليمة لكن المحزن أن الكثيرات تجاوزنها واتيحت لهن ظروف الانطلاقة نحو الإبداع، ولكن لم يتكبدن عناء المحاولة الجادة للكتابة والتميز.

ـ كيف هو النقد في العراق.. هل يرسم للعمل الإبداعي خطا مستقيما أم يشتته، وهل الصوت النقدي الجاد غائب ومنوّم مغناطيسيا؟

*سؤال لطالما توارد إلى ذهني وألمني تفشي ظاهرة المجاملات حتى في النقد على حساب النص واللغة، مما يُؤثر سلبًا على مستقبل الكاتب ورؤيته بشفافية ووضوح لتجربته الشعرية وتجنب الأخطاء من ثم الارتقاء للأفضل، النقد مهمة أدبية بالغة الأهمية وهنالك نقاد عراقيين وعرب يُشار لهم بالبنان لكن المؤلم أن نظرة المتلقي أصبحت سطحية وتفضل الاختصارات ورؤوس الاقلام في أكثر الأحيان.

ـ ما هو المناخ الأفضل لينمو فيه الأدب، وما هي الظروف التي يجب أن يترعرع فيها؟

*بالدرجة الأولى الاهتمام به على مستوى الدولة من ثم غرس حب الأدب والمطالعة في المراحل الابتدائية بطريقة سهلة محببة للطفل لاسيما في ظل هذه الظروف التي تمر بوطننا العربي حاليا والتكنولوجيا التي شتت مفاهيم القراءة وأبعدت جيلاً بكامله عن الكتب الورقية والمطالعة الجادة لتاريخ الشعر العربي والأدب بصورة عامة.

ـ ماذا ينقص المرأة العراقية لتبدع أكثر وأكثر؟

*الثقة والاستقرار الأمني الذي بدوره يؤدي إلى استقرار فكري ومادي ومعنوي وبالتالي فرصة لحياة كريمة طبيعية تولد فيها المواهب على أرض صلبة وأسس متينة.

 

 

 

شاهد أيضاً

أساور العزاوي: الحياة بحلوها و مرها أكبر درس للإنسان يزيد من خبراتنا ويقوينا 

تمتلك قلبا وروحا مفعمة بالمشاعر والاحاسيس هدفها ان يكون لها في كل مكان بصمة وأثر …

error: Content is protected !!