قضايا التحرش لم تنصف فيها المرأة

صوتها: تونس

حاورتها: أفين أحمد

تأريخ حافل بالأمجاد، ومكاسب نوعية سجلتها المرأة التونسية على مدى عقود طويلة حفاظا على هويتها الأجتماعية والسياسية، ولأنها لم تكن وليدة الصدفة بل نتيجة لتأريخ نضالى وموروث ثقافى فما زالت تحيا وتقاوم لأثبات حقوقها المدنية والدستورية.

وتقول خولة بوكريم، الناشطة والصحفية التونسية: ان المقاومة النسوية الحقيقية مازالت موجودة رغم محاولات الأسكات والرجوع بمكاسبها الى الوراء، وأن المجتمع المدنى فى تونس بالمرصاد لأى محاولة تستهدف حرية وكيان المرأة فى تونس.

مجلة” صوتها”، التقت بالناشطة والصحفية خولة بوكريم، وكان هذا الحوار:

* لو نظرنا الى تأريخ نضال الحركة النسوية فى تونس، نرى بوضوح ان هذه الحركة راهنت على المدى الطويل وحتى يومنا هذا من أجل تطوير منظومة حرية وحقوق النساء التونسيات وتثبيت هويتهم السياسية والاجتماعية بحيث تكون نموذجا يقتدى به فى المنطقة ككل.. لكن، وبرغم هذه المحاولات لطالما كان هناك أعداء يتربصون لها.. من هم أعداء المرأة التونسية فى الوقت الحالى؟

خولة: أعداء المرأة التونسية فى الوقت الحالى، هم من يريدون الأنقلاب على المكتسبات التى تحققت طيلة السنوات الماضية ومنذ الأستقلال عام 1956 مع تأسيس مجلة الأحوال الشخصية التونسية والمسار الطويل لنيل حقوق المرأة  فى مجالات العلاقة بالزوج، الحضانة، الأمومة وبعض القوانين الاخرى التى تم المصادقة عليها مؤخرا كقانون القضاء على العنف على المرأة بجميع أشكاله، حيث نعتبرها اليوم ردة.. هناك ردة على ماتحقق، وهناك بعض الأصوات تنادى بضرورة مراجعة هذه القوانين، وتنتقد الوجود النسائى سواء كان فى المناصب المهمة بالدولة أو فى النجاحات النسوية، وحتى يختصرون المرأة فى شكل جسد وتبرج و..الخ .

* الى أى مدى يمكن أعتبار قوة القوانين التشريعية فى تونس المنفذ الأكثر تأثيرا لحماية حقوق المرأة انسانيا وأجتماعيا، وفى ظل المشهد السياسى الحالى ؟

خولة: بالنسبة لقوة القوانين التشريعية، حقيقة تونس ترسخ بترسانة تشريعة مهمة لحماية كقانون القضاء على العنف وجميع أشكال التميز ضد المرأة لكن هذه القوانين دائما تبقى حبرا على ورق وتحتاج الى اليات ومجهود كبير، وأيضا امكانيات من الدولة حتى تطبق على أرض الواقع .. فعلى سبيل المثال يوجد فى تونس وحدات خاصة لمكافحة العنف ضد المراة فى مراكز الشرطة لكن الاشكال هنا تكمن فى أن الضحية أحيانا لاتتقدم بشكوى أو تخشى أن تكون لها مشاكل اخرى مع زوجها أو الرجل الذى قام بالأعتداء عليها.. أيضا يجب توفير كل وسائل الحماية للمرأة حين تتقدم بشكوى قضائية ضد أى اعتداء أو مكروه يطالها ولاتخشى مسار العدالة وتكون أيضا واثقة من انصاف القضاء لها.. مع الأسف هناك بعض القضايا تطول لسنوات كقضايا الأغتصاب ولم نسمع على  قضايا التحرش أنصفت فيها المرأة بحيث دائما هناك نمطية وحصر للمرأة فى صورة مغلقة .

* كيف تصفين أوضاع حرية الصحافة فى البلدان العربية ككل، وفى تونس تحديدا ؟

خولة: حرية الصحافة فى البلدان العربية تحديدا هناك معاناة شديدة.. على سبيل المثال فى المغرب الأقرب الينا جغرافيا هنالك زملاء يحاصرون ويتم محاكمتهم بشكل غير عادل كما ويتم تلفيق تهم جنسية لهم، وهناك ضغط من السلطة والصحافة الموالية لها على الصحافة الحرة المستقلة .. الجزائر أيضا رغم تفاءلنا بالحراك الذى أدى الى عملية ديمقراطية نوعا ما لكن حرية الصحافة هناك أيضا مازال يتقهقر.. فى مصر، هناك مضايقات وأصبحت سجن كبير للصحفين والصحفيات المنتقدين لصوت النظام وكل من يريد بصوته أن يعمل صحافة حرة بعيدا عن املاءات النظام والسلطة مما يدعونا الى التضامن مع زملاءنا من الذين سجنوا او هجروا وتركوا البلاد قسرا أو حتى اللذين تركوا المهنة بسبب عدم وجود حرية الرأى .. الحال فى لبنان ايضا متدهورة حيث يتم اتهام الصحفين بالعمالة بسبب عملهم بشكل مستقل فهناك تهم وجهت لزملاءنا فى موقع درج اللبنانى منذ شهور اثر صدور تحقيق معين وتم ضربهم وتفكيك معداتهم .. لذا يمكن القول بان أوضاع الصحافة فى البلدان العربية ليست بخير وفى غاية الخطورة، وعلى هذه الانظمة المراجعة، والكف عن مضايقة الصحفين وأن تمنح لهم هامش من الحرية لأداء عملهم كما ونحن نرفض ان يكون الأعلام موجها فهناك دول خليجية تجعل من الدول الصغرى محورا لصراعها، مثلا المحور السعودىـ المصرى والاَماراتى من جهة ومن جهة اخرى اعلام المحور القطرى ـ التركى كل هذا يهدد مناخ حرية الصحافة فى العالم العربى .. ونحن فى تونس لاننكر وجود هامش من الحرية فى الاعلام ولكن هناك ردة حقيقية ايضا على حرية الصحافة فى البلاد حيث هناك دائما من يتهم الصحفين بالعمالة فى حال الكشف عن ملفات الفساد ويلاحظ وجود هجمات ضد المدونين اللذين يفضحون ممارسات السلطات المحلية  فى المحافظات الداخلية خاصة وأن هناك مشاريع قوانين تقدمت بها أئتلاف الكرامة المعروف بقربه الشديد من حركة النهضة الذى يسعى للسيطرة على المشهد الأعلامى السمعى ـ البصرى فى تونس.

* مؤخرا، أصدرت نقابة الصحفيين فى تونس دراسة صادمة عن تعرض 80% من الصحفيات التونسيات للتحرش الجنسى واللفظى فى اماكن العمل مرة واحدة على الاَقل فى حياتهن المهنية وذلك استنادا الى بيانات رسمية داخلية .. مامدى صحة هذه البيانات، خصوصا وأن البيان لاقى ردود فعل متباينة لدى الكثير من الصحفيات بأعتبارها حصيلة غير حقيقية ولاتمثل الواقع؟

خولة: فى الحقيقة لم أطلع على دراسة نقابة الصحفين ولااعلم ماهى المعايير التى اشتغلوا عليها، كما ولم أكن بين اللذين اجريت عليهم الدراسة ولكن بأمكانكم التطلع على دراسة تحقيقية أجريتها عن ” تحرش أجلست الصحفيات فى البيت”،وشملت 120 صحفية وسألتهن هل أن التحرش كان سببا لبطالتهن؟.. شخصيا لااستطيع أن انكر بأنه ليس هناك تحرش بالصحفيات التونسيات لكن النسبة لست متأكدة منها فى الحقيقة.. كما وأن جميع الصحفيات التى شملتهم دراستى اكدوا أن التحرش كان سببا لفقدانهن للعمل.

*على مر العقود كانت هوية تونس السياسة ذات طابع علمانى فيما يخص الكثير من القضايا وأبرزها قضايا المرأة والحركة النسوية التونسية، حيث كانت فى طليعة البلدان العربية التى كفلت حق الأجهاض، حقوق المرأة السياسية وصولا الى مسألة المساواة فى الميراث والزواج من غير المسلم.. من هذا المنطلق اود أن أسأل هل تبقى تونس كما عرفت سائرة على نهج الماضى نحو تغيرات اكثر ايجابية فى المستقبل، أم باتت التجربة التونسية فى مجال حقوق المرأة بالتحديد فى خطر ؟

خولة: نعم، التجربة التونسية أصبحنا نخشى عليها لأن هناك محاولات لأسكات صوت المرأة والرجوع بما تحقق من مكاسب وقوانين ايجابية لصالح المرأة لكن الأهم ان المقاومة الحقيقية مازال موجودا.. نحن نمتلك مجتمع مدنى الى حدما قوى ليست على صعيد الحركات النسوية فقط، بل ان مايميز المجتمع المدنى فى تونس أنه حينما تكون قضية لها علاقة بالمرأة يكون هناك التفاف حقيقى من جميع منظمات المجتمع المدنى وليست فقط التى تعنى بشؤون المرأة وأنما منظمات حرية الانسان والجمعيات التى تعمل فى مجال حرية التعبيرحيث الكل تلتف حول مايخص حقوق المراة .. ودائما هناك شد وجذب بين القوى الرجعية وبين قوى المجتمع المدنى وفى مقدمتها الحركات النسوية فنحن حقيقة فى مرحلة حاسمة خصوصا فى ظل صعود حركة النهضة الأسلامية وبعض الأحزاب المقربة منها كأتلاف الكرامة مما يستوجب اليقظة طول الوقت تجنبا للعودة الى الوراء.

* على الصعيد السياسى.. هناك حاليا حرب مشتعلة على الحدود وفى ليبيا بالتحديد، وتكاد أن تلتهب نيرانها دول اخرى ذات حدود مشتركة معها.. كما فى الصعيد الداخلى التونسى ايضا هناك صراعات سياسية يتسم بطابع دينى فى ظل وجود تيارات وقوى اسلامية متشددة الفكر والنهج، اضافة الى الكثير من القضايا الاخرى التى تمس حياة التونسين بشكل مباشر.. أتساءل، الى اين تتجه الخارطة السياسية فى تونس فى ظل التحديات هذه؟

خولة: للاَسف الصراع فى ليبيا يلقى بضلاله بشكل عميق على المشهد السياسى فى تونس، وهناك تباين فى المواقف السياسية، فحركة النهضة عملت سقطات دبلوماسية لايمكن لها أن تغتفر فمثلا عندما تقدم فايز السراج فى قاعدة الوطية بليبيا قام راشد الغنوشى بمهاتفة السراج وتهنئته بدلا من رئيس الجمهورية وكأنه يقول أن حركة النهضة تساند السراج وهذا موقف بعيد كل البعد عن الموقف الرسمى والدبلوماسية التونسية، وكذلك موقف رئاسة الجمهورية التونسية حيث كان بأمكان قيس سعيد كأكثر شخص مناط له دستوريا بأن يتكلم بأسم السياسة الخارجية التونسية، وأن الدبلوماسية الخارجية هى من أختصاص رئيس الجمهورية فقط ومن ثم وزير الخارجية ولايمكن لرئيس مجلس نواب الشعب أن يهنىْ طرف ليبى على حساب اخر، كونه مخالفا للدستور والموقف الرسمى ..  ان تونس تدعى للحوار الليبى ـ الليبى ورئيس الجمهورية نفسة دعا الى حل الأزمة الليبية بدون تدخل أطراف خارجية فيه لكن حركة النهضة لاترى ذلك وانما تراعى مصالحها السياسية الخاصة فى الصراع الليبى كأنما هناك دولة داخل دولة ولاتهتم باى تداعيات أمنية قد تكون خطيرة على الدولة التونسية بأعتبار اننا نمتلك حدود مشترك مع ليبيا ويمكن ان ينتقل الصراع الينا، وكل هذا ضربت بعرض الحائط من قبل حركة النهضة .. ايضا هناك أمر اخطر من ذلك هو أن يصبح بعض الصحفين بوقا ناطقا بأسم أحد الأطراف ، فهناك من يدافع بكل جهده على السياسات المصرية والسعودية ونظام حفتر فى ليبيا، كما وهناك على عكس ذلك من يدافع على السياسة القطرية وحكومة السراج وشرعية وجودها، ومن هنا يبدأ الصراع بحيث أصبحت تونس حلبة المبارزة بالوكالة عن ليبيا .. هنا تكمن خطورة هذا المشهد الذى ننوى الخروج منها بطريقة امنة ونريد لجارتنا ليبيا السلام والامن الدائم ولكن ليس على حساب تونس والأصطياد فى الماء العكر .. لذايمكن وصف الوضع بالخطير فى ظل وجود اطراف سياسية تحاول الأستفادة من الوضع الحالى وعلى راسها حركة النهضة.

ـ  بطاقكم الشخصية، ماذا تقول؟

ـ خولة بوكريم

ـ ناشطة وصحفية ـ تونس

ـ حاصلة على شهادة الاستاذية فى الصحافة وعلوم الأخبار / معهد الصحافة وعلوم الأخبار /جامعة منوبة ـ تخصص اعلام تلفزيونى

ـ دبلوم الدراسات العليا فى السياسة والاقتصاد/ جامعة القاهرة ـ معهد البحوث والدراسات الأفريقية

ـ درست مرحلة أولى ماجستير ـ معهد البحوث والدراسات الأفريقية ـ علوم السياسة

ـ عملت بالعديد من المؤسسات الأعلامية فى القاهرة وتونس، وحاليا فى لبنان والأردن

ـ عملت فى ON TV المصرية / وحدة الصحافة الأستقصائية مع الصحفى يسرى فودا

ـ عملت مع شبكة أريج للصحافة الأستقصائية، موقع درج اللبنانية، وكذلك مراسلون الألمانية

ـ ناشطة فى مجال حقوق الأنسان، وحاصلة على جائزتين للتحقيق الصحفى مع موقع درج اللبنانى ، احداهما عن تعذيب المثلين فى السجون التونسية، والثانية بعنوان “قرض بمبلغ 70 مليون دولار لاأثر له فى قطاع التعليم العالى التونسى” .

ـ حاليا رئيسة تحرير موقع كشف ميديا الالكترونى بتونس والمعنية بحقوق الانسان ، وقضايا مراقبة النشاط الحكومى ومكافحة الفساد، كما وتقوم بأنتاج التحقيقات الأستقصائية بالتعاون مع شبكة أريج،  وتعمل ايضا مع موقع درج اللبنانية .

شاهد أيضاً

أساور العزاوي: الحياة بحلوها و مرها أكبر درس للإنسان يزيد من خبراتنا ويقوينا 

تمتلك قلبا وروحا مفعمة بالمشاعر والاحاسيس هدفها ان يكون لها في كل مكان بصمة وأثر …

error: Content is protected !!