
د. مهند الخزرجي
تعد المدينة الإعلامية بيئة متكاملة تضم قنوات فضائية، مؤسسات إنتاج، شركات تقنية، منصات رقمية، وأحيانًا جامعات ومراكز تدريب. وقد ظهرت في العالم العربي نماذج بارزة مثل “مدينة الإعلام في دبي”، و”مدينة الإنتاج الإعلامي” في مصر، و”مدينة الإعلام” في تونس.
وتنبع اهمية هذا النوع من المدة لما تقوم به من وظائف تتعلق بإنتاج المحتوى الإعلامي واستضافة مؤسسات دولية وإقليمية. إضافة إلى توفير بيئة حرة ومشجعة للمبدعين والمهنيين في مجالات الإعلام. مستثمرة عالم التسويق لإبراز الدور السياسي والثقافي.
و في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم على مستوى الاتصال والمعلومات، أصبحت المدن الإعلامية من أبرز الأدوات الاستراتيجية للدول في إنتاج وتوجيه الخطاب الإعلامي، ليس فقط لخدمة الجمهور المحلي، بل أيضًا لتصديره عبر الحدود، خاصة ان هذه المدن لم تعد مجرّد تجمعات لمؤسسات إعلامية، بل تحولت إلى منصات ذات نفوذ ثقافي وسياسي عابر للقارات. ويكون لها دور اكبر في التأثير على السياسات العامة من خلال توجيه الرأي العام نحو قضايا بعينها، و مواجهة حملات التضليل دوليا ومحليا . لقد أصبحت بعض المدن الإعلامية تقوم بوظائف الدبلوماسية الإعلامية، عبر مخاطبة الخارج بخطاب استراتيجي يخدم مصالح الدولة، ويدعم سياساتها الخارجية. فمن خلال القنوات الدولية والبرامج متعددة اللغات، تنقل رسائل سياسية وثقافية تعبّر عن موقف الدولة من القضايا الإقليمية والدولية، ما يرسّخ قوتها الناعمة.
واقع المدن الإعلامية في العراق
بالرغم من امتلاك العراق لإرث إعلامي غني ومتعدد الأوجه، فإن مشروع إنشاء المدن الإعلامية لم يحظَ بالاهتمام الكافي ضمن السياسات الإعلامية بعد عام 2003. وبهذا السياق أعلنت وزارة الثقافة والسياحة والآثار في شباط 2024 عن نيتها تأسيس مدن متخصصة بالتراث والإنتاج الإعلامي على غرار النماذج الإقليمية، بدءًا من العاصمة بغداد، إلا أن هذه المبادرة ما تزال متعثرة.
ويعود ذلك إلى غياب استراتيجية وطنية للإعلام ترتكز على تصدير صناعة وتصدير خطاب موحد يخدم السياسات العامة. وتعدد الجهات الإعلامية المرتبطة بأجندات حزبية أو فئوية، مما أسهم في تشتت الرسالة الإعلامية. اضافة إلى ضعف الاستثمار في التقنيات والبنى التحتية الحديثة اللازمة لصناعة إعلام تنافسي. وغياب مراكز التدريب والتأهيل التي تواكب التطور الرقمي والمهني.
في المقابل، يمتلك العراق فرصة كبيرة لإنشاء مدينة إعلامية عراقية رسمية تكون منصة لإعادة صياغة الخطاب الوطني وتقديم صورة إيجابية عن ثقافته وسياساته. و هذا يتطلب إرادة سياسية واضحة، وشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، ودعمًا دوليًا في مجال التدريب والتقنيات يرافق ذلك استثمار التحول الرقمي لتوسيع التأثير والتعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث مع ضرورة ضمان بيئة قانونية وتشريعية داعمة لحرية التعبير والإنتاج الإعلامي المستقل، بعيدًا عن الرقابة السياسية أو الحزبية، من خلال إصلاح القوانين الناظمة للعمل الإعلامي.