ضعفها وقلة وعيها.. يجعلانها امرأة قابلة للكسر

صوتها: تحقيقات

هدى الصافي

تتطلع النساء في كل مكان من العالم الى معاملة سوية وطريقة محترمة للعيش، وحياة خالية من  التمييز القانوني والمجتمعي والاقتصادي، وان يكون لها دور بارز في تنمية المجتمعات اسوة بالرجال وبما تكفله لها القوانين ومبادىء حقوق الانسان، وليس هذا وحده ما تحتاجه قضية الحصول على الحقوق بل انها تحتاج الى الكثير من العمل والمثابرة للوصول الى سقف الطموح، والسؤال دائما، الى أي حد تستطيع المراة العربية، والمراة في العراق خصوصا من الوصول الى تلك الطموحات في ظل مجتمعات ذكورية لم تتخلى عن الاعراف والتقاليد، ولم تراعي حقوقها في العمل وفي الحياة الكريمة.

تشير الدراسات التي اعدتها وزارة التخطيط من خلال اللجنة الوطنية للسياسات السكانية في العراق وبالتعاون مع صندوق الامم المتحدة للسكان، مكتب العراق تشير الى ان واحدة من كل اربعة نساء في العراق تتعرض للعنف، ومقابل كل اربعة من النساء تتعرض لعنف التسلط والسيطرة هناك امرأتين تتعرض للعنف النفسي وامرأة واحدة تتعرض للعنف الجنسي.

كما اظهرت نتائج المسح ان حوالي نصف النساء ترين ان ضعف الوعي لدى المرأة سبب رئيسي للعنف الموجه اليها، اذ يوجد تباين واضح بين النساء في وعيهن بالعنف تبعا لبيئة السكن سواء كانت حضرية او ريفية تبعا للمناطق المختلفة في العراق فاثنين من بين كل خمسة نساء في العراق لا يعرفن ان هناك عنفا يمارس ضدهن على اساس جندري، خاصة في مناطق الريف فمقابل كل اربعة نساء يعين بمفهوم العنف ضد المرأة في المناطق الحضرية هناك امرأتان فقط في المناطق الريفية تعيان بمفهوم العنف فضلا عن ذلك تشهد نسبة وعي النساء العراقيات بالعنف تمايزا ملحوظا ليس على اساس البيئة فحسب ( الريف والحضر) بل ايضا على اساس مناطقي، فهناك فجوة واسعة بين بعض المحافظات كالسليمانية ودهوك اللتان تتميزان بنسبة اعلى من الوعي بالعنف في صفوف النساء عما هو عليه في محافظتي الانبار والمثنى، ومقابل كل 6 نساء يعين بالعنف في السليمانية ودهوك هناك امرأة واحدة فقط تعي بهذا المفهوم في الانبار والمثنى.

وهذا غالبا ما يكون بسبب تنامي تأثير التقاليد والاعراف في المجتمع ومكانة الذكر والأنثى، كما ان الحالة المادية المتردية كان سببا في قبول المرأة لتسلط  الرجل وسيطرته، وتشير الدراسة التي اعدتها وزارة التخطيط الى انه عند سؤالهم لمجموعة من النساء في سن (15-45) سنة وجدت ان  حوالي نصف النساء  ترى ان تزويج الاب لابنته القاصر اذا تقدم لها عريس مناسب لا يعتبر عنفا، وان كل سبعة من عشرة نساء ترى ضرب الزوج لزوجته اذا خالفت اوامره سلوكا طبيعيا.

يتضح من النتائج اعلاه ان هناك قبولا طوعيا من قبل النساء لتسلط الرجل وهيمنته حيث تم تهيئة المرأة خلال عملية التنشئة الاجتماعية بطريقة تجعلها تتقبل العنف وتراه حقا من حقوق الرجل عليها من خلال افكارها وتصوراتها حول مرتبتها المتدنية مقارنة بمرتبة الرجل وهو قبول ضمني منها بالعنف والتسلط، وينعكس على سلوكها فتتبنى من دون وعي منها هذه الافكار كتمييزها للذكور عن الإناث من اولادها على سبيل المثال او السماح بتسلط الأخ على اخته وتزويجها او منعها من اكمال تعليمها فتصبح الضحية تشترك مع الجلاد.

وعند توجيه سؤال للنساء حول الأسباب الرئيسة للعنف الموجه نحوهن وجدنا حوالي 7 من كل 10 من النساء العراقيات ترى أن التربية والتنشئة هي السبب الرئيسي الأكثر تأثيرا في زيادة معدلات العنف الجندري، في حين ترى 6 من كل 10 منهن ان الثقافة السائدة والفهم الخاطئ للدين هي عوامل اساسية في زيادة العنف الجندري.

ومن ابرز مشاكل قلة الوعي الثقافي وهيمنة العادات والتقاليد خصوصا في الشرائح المعدمة من المجتمع العراقي هي ظاهرة زواج القاصرات التي تشهد تزايدا ملحوظا نتيجة تردي الواقع الاقتصادي للأسرة، فبالرغم من غياب الارقام الرسمية كون زواج القاصرات دائما ما يحدث خارج المحكمة وعند رجال الدين فقط لكن تؤكد المنظمات المعنية بحقوق الانسان وباحثون اكاديميون من خلال دراسات ميدانية اجريت في السنوات الخمسة الاخيرة اعتمدت مسوحات واستطلاعات في محاكم محددة ببغداد أن زواج القاصرات تتصاعد، وان اكثر من ثلث المتزوجات هن قاصرات وتسجل في جنوب البلاد ارقاما مخيفة بسبب ارتفاع معدلات الفقر وترك الدراسة وندرة فرص العمل الى جانب العادات والتقاليد العشائرية.

تقول ل.م ذات ال 35 عاما ” كان عمري عند الزواج 15 سنة ولدي الان 5 اطفال، كان زواجي تقليدي ولم يسألوني عن رأيي بل كان والدي صاحب القرار لأني كنت صغيرة وندمت كثيرا بعد الزواج لتركي المدرسة والان انا عاجزة عن اكمال الدراسة بسبب مسؤوليات البيت والاطفال ولا يمكن ايجاد وظيفة لأني بلا شهادة ” وعند سؤالي لها فيما اذا كانت قد تعرضت للضرب اجابت ” نعم تعرضت للضرب والاهانة من قبل زوجي ومنعي من اكمال دراستي وحتى من الخروج من المنزل وزيارة اهلي وكثيرا ما اتحمل هذا الامر وحدي لكوني ام لخمسة اطفال واهلي لا يستطيعون  تحمل مسؤوليتي انا واطفالي وغالبا ما اجدهم يحثوني على تحمل ظلم زوجي لي وعنفه  للمحافظة على بيت لأولادي.”

 وقالت ن.ج ذات ال 30 عاما التي لا تختلف عن الضحية السابقة في معاناتها من الزواج المبكر نتيجة تسلط الاهل وترك الدراسة بالإضافة الى ضعف الحالة المادية حين سألتها فيما اذا كانت قد فكرت يوما بالانفصال او تقديم شكوى بمركز شرطة على الاقل اجابت ” اطلاقا لا ستطيع تقديم شكوى في مركز الشرطة لان هذا الشيء مرفوض بمجتمعنا لكني كثيرا ما حاولت الانفصال وطلبت الطلاق عند قيامه بضربي  لكني كنت اواجه الرفض من اهلي بسبب نظرة المجتمع السلبية الى المرأة المطلقة واهلي لا يمكنهم تحمل مسؤوليتي انا واطفالي خصوصا اني بدون عمل ولا شهادة تؤهلني للعمل.” وكما اظهرت نتائج المسح التحليلي الشامل للأمن الغذائي للأسرة في العراق لسنة 2016 أن كل ثلاثة نساء متزوجات بعمر اقل من 17 سنة في المدينة يقابلها اربعة نساء مثلهن في الريف، اما في المحافظات نلاحظ تفاوت شاسع وكبير في نسب النساء المتزوجات بعمر اقل من 17 سنة حيث ترتفع نسبتهن كثيرا في محافظات مثل كربلاء وبابل والنجف بينما تنخفض في محافظات مثل دهوك وكركوك، فعلى سبيل المثال مقابل كل امرأة متزوجة بعمر اقل من 17 سنة في دهوك هناك 12 امرأة بوضع مماثل في كربلاء، مما يعني ذلك ان البيئة المناطقية ذات تأثير كبير في تشجيع ظاهرة زواج القاصرات او الحد منها في المحافظات العراقية المختلفة. 

من الجدير بالذكر ان المحافظات الجنوبية ازدادت فيها نسبة الارامل بشكل كبير جدا بعد احداث العنف ومحاربة الارهاب، فالكثير من النساء فقدن ازواجهن في حروب التحرير للمحافظات التي احتلها داعش، وكثرت نسبة الفتيات الايتام دون سن 17 سنة بعد ان فقدوا آبائهم في حروب التحرير مما انعكس سلبا على حياتهن.

 وازاء كل هذا يرى المراقبون ان المنظمات الدولية ومنظمات الامم المتحدة لازالت تهمل العمل الانساني في جنوب ووسط العراق وخاصة البصرة وميسان وذي قار والمثنى.  وعند سِؤالنا عن واقع النساء في العراق بشكل عام و في ذي قار على وجه الخصوص و فيما اذا كن يمتلكن الامكانيات و القدرات لتنمية مهاراتهن اجابت العبودي “ان وضع النساء يتصف بالواقع المتردي بالعراق بشكل عام وفي ذي قار بشكل خاص، وان اكثر من 90% منهن لا يمتلكن عمل خاص بهن ويحتجن الى جهود مكثفة لتنمية وعيهن وتطوير قدراتهن وامكاناتهن، بشرط توفر الجهات المختصة الداعمة والادوات والوسائل اللازمة.”

وتضيف العبودي “ان اكبر المشكلات والتحديات التي تواجهها النساء في المحافظات الجنوبية هو تدني مستوى الوعي للأهل او الزوج بشكل عام كذلك انعدام الغطاء الاقتصادي والدخل المادي الذي يحفظ كرامتهن واستقلالهن بشكل ايجابي وفعال، وايضا تحتاج هذه الفتيات الى الدعم في تطوير وعيهن بحقوقهن والمطالبة بها، وتنمية المهارات الخاصة بالتنمية البشرية” وتضيف بان الطابع العشائري والقبلي يزيد من مصاعب الحياة لدى هؤلاء النساء، اذ لا توجد أية جهود فعلية في هذه المجالات سواء من منظمات دولية او مؤسسات حكومية، ماعدا بعض الجهود الخجولة التي تقدم من قبل بعض من منظمات المجتمع المدني والتي تكون بدعم ذاتي وتطوعي” واضافت السيدة ميسون العبودي ” يجب تنفيذ حملات مدافعه وضغط مستمر ومتواصل للحصول على حقوقهن لمواجهه هذه التحديات.”

شاهد أيضاً

التعنيف اللفظي والنفسي.. كابوس لم يُسلط الضوء عليه

آية منصور تبدو التربوية انتصار محمد، قلقة على بعض طلابها الذين وفي كل عام دراسي، …

error: Content is protected !!