التعنيف اللفظي والنفسي.. كابوس لم يُسلط الضوء عليه

آية منصور

تبدو التربوية انتصار محمد، قلقة على بعض طلابها الذين وفي كل عام دراسي، تكتشف عن أن حياتهم لم تصبح أفضل، وأن وضعهم النفسي صار أكثر انكساراً، إذ يواجهون وبشكل يومي، تعنيفاً لفظياً، ونفسياً من قبل بعض آبائهم، الذين يبدؤون بتشكيل شخصيات جديدة ومحطمة في أرواحهم، كيف يمكن أن نتجاوز هذه المحن؟ تتساءل.. 

أسماء العنف واحدة 

هل للتعنيف الأسري، مسمى واحد؟ هل له شكل وصورة وملامح واحدة؟ هل يعتمد التعنيف في المنزل، على درجة الضرب واحمرار الجسد، وسماع صراخ الابن، لنطلق عليه فيما بعد تعنيفا؟ وماذا عن المفردات التي تخرج من بعض الآباء لأولادهم مثل سكاكين؟ ستبقى الأصوات يتردد صداها في القلب والروح حتى الأبد، ولعل، ليس هذا النوع من التعنيف احصائية، لكنه، لا يقل بإعداد ضحاياه، على العكس، قد يكونون أكثر.
 توضح التربوية انتصار وهي مديرة إحدى المدارس الاعدادية للبنين، أنها تستقبل وبشكل يومي، العديد من طلبتها الذين يتعرضون للشتائم من آبائهم، توضح بحديثها لوكالة الأنباء العراقية (واع) أنها غالباً ما تسمع بإذنها، قصص الطلبة الذين يحاولون التفريغ ومحاولة إيجاد الحلول، أحاول التدخل، والتهديد بالفصل العشائري سيد الأجوبة، ماذا أفعل وكيف أحمي طلبتي؟ تضيف بقولها: “هناك شكل آخر من أشكال إساءة المعاملة التي لا يتحدث عنها الناس كثيراً، وهي العنف اللفظي الموجه للأبناء، الذي يسبب جروحاً لا تُرى بالعين، ولذلك لا أحد يعرف ما يحدث للطفل، بعضهم يفقد تركيزه طوال النهار، وبعضهم حقاً يبدأ بالميل لأن يكون عدوانياً مع أقرانه الطلبة” 

ماذا يفعل المُعنف؟ 

وبينت أن “أغلب الطلبة الذين يفتعلون المشاكل مع أصدقائهم، أو الذين يتهربون، وحتى الذين يقومون بأفعال عدائية هم الذين يكونون بالعادة، معرضين للتعنيف النفسي واللفظي من قبل أحد ذويهم، إنهم يحاولون فك الأذى العالق في أرواحهم، من خلال صب غضبهم على من حولهم، وأحياناً حتى على مدرسيهم ومدرساتهم”.
وتابعت: “يطلب مني بعضهم النصائح بما يفعلون أمام هذه المواقف، أحد الطلبة كان يخبرني كل يوم، أن والده يتعمد تعنيفه لفظياً أمام الغرباء، وأنه يقوم بالتقليل من شكله وثيابه وحتى طريقة حديثه وصوته تحديداً، يتساءل الصبي عما الذي يجب أن يفعله ليتجنب تصرفات والده، تدريجياً حتى بدأ بالانعزال ورفض الحديث، لقد كره صوته المسكين، ثم أخبرني بورقة، لن انطق حتى يسكت والدي من تقليل حجمي أمام الآخرين، فأردت الحديث مع الوالد حول هذا الأمر، لكن للأسف فإن النتيجة كان سلبية للغاية، أتعرفون ما قال لي؟ لم لا تأخذين ابني وتربينه انت بدلاً مني؟ ثم نقله لمدرسة أخرى، ولم أعد أعرف عنه شيئاً”.

انتق مفرداتك لمستقبله 

وتوضح الباحثة النفسية، آمال الكبيسي لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن “العنف اللفظي العائلي والخارج من أحد أفراد الأسرة، يؤثر على تصور الأفراد لأنفسهم ومن حولهم، كما يترتب على ذلك ضعف التواصل الاجتماعي، حيث يصبحون أكثر انعزالاً ويجدون صعوبة في بناء علاقات اجتماعية صحية”، مشيرة الى أن “ذلك، يمكن أن يؤثر العنف اللفظي سلباً على الأداء الأكاديمي للأطفال، مما يتسبب في تراجعهم الدراسي، وفي حالات نادرة، يمكن أن يتطور هذا العنف إلى عنف جسدي، مما يزيد من خطر إصابة الأشخاص بأذى جسدي”.
وذكرت: “يمكن أن تظهر تأثيرات عاطفية طويلة الأمد، حيث من الطبيعي أن يترك العنف اللفظي آثاراً عاطفية سلبية مثل زيادة في مستويات القلق والاكتئاب لدى الأطفال والنساء تحديداً”، مبينة “أهمية العمل على منع ومعالجة العنف اللفظي في مراحل مبكرة لضمان حماية الأفراد وتطورهم الصحي”. 
وأضافت الكبيسي أن “أكثر عرضة للعنف النفسي اللفظي العائلي، هما الأطفال والمراهقون، مع النساء، لقلة حيلتهم، إذ غالباً ما يتم حصرهم في زوايا التعنيف النفسي لأنه أقل ضرراً -حسب رؤية المعنف- من التعنيف الجسدي، لكن الحقيقة هي أن التعنيف النفسي لا يقل سوءاً وإجراماً عن الآخر، بل على العكس، فإن نتائجه على المستقبل غير معلومة، بسبب فقر الدراسات والاحصائيات وحتى التحذيرات حول هذا الموضوع، لكنه يرتبط ارتباطً وثيقاً بمعدلات زيادة الجرائم”.
وزادت بالقول: “نحن نبحث عن احصائيات تساعدنا على توعية العوائل، الكثير من ضحايا هذا العنف، لا يستطيعون الشكوى، سيتم السخرية منهم ومن معاناتهم، حتى أن بعضهم يعتقد أن التعنيف اللفظي هو جزء من التربية والتقويم، هذا أمر غير صحيح مطلقاً، أي كلمة تخرج لتؤذي أحداً، فهي تعنيف. 

العنف واحد 

وترى آمال، أن “سوء الفهم، والمشاكل واردة في المنازل، لكن التعنيف اللفظي يعني، أن يتخذ الضحية خطوات الانعزال، والتشبث باليأس والخوف، فتتشكل الكثير من المشاكل النفسية، ويكون الحل بانشاء مراكز خاصة بالدعم النفسي لضحايا العنف اللفظي، كما العنف الجسدي”.
وشددت على أنه “”يجب أن يتم أخذ هذا الموضوع بشكل جدي، ذلك أن كثير من حالات العنف الجسدي حتى تلك المميتة، تبدأ بعنف نفسي ولفظي، يجعل الضحية خائر القوى، خائف وغير قادر على الدفاع عن نفسه، ثم يتطور الموضوع أكثر ويصل الى أن يكون عنفاً جسدياً” 

تغير مستقبلك 
من جهته، يبين، (سلام حسن) لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن “والديه دائما التعنيف له، حتى إن اختياره الجامعة التي يحلم بها، تحولت لحفلة من التعنيف اللفظي وانتهت بتغيير قسمه، ومحاولاته اختيار ما يريدان فقط من أجل تجنب التعرض لتعنيف آخر، ويكمل: “يقولون إننا “نتفيك” إذا ما تحدثنا عن التعنيف النفسي واللفظي، وأنهم كبروا ونضجوا وأصبحوا زلم، رغم إساءات آبائهم لهم، هم لا يعلمون كم الأمراض النفسية والأحقاد التي حملوها وسيحملوها معهم الى الأبد، أنا تغير مستقبلي بسبب تعنيف لساني والديّ، لأني لو استمررت بالدراسة بما خططت له، ستنتهي أجمل سني عمري بلومهم وتعنيفهم النفسي المتكرر كل صباح، ومع هذا، لم يسكتا، لكنني أردت تخفيف تعنيفهما، من أجل صحتي النفسية، ومن أجل قدرتي على مواجهة العالم كل يوم”. 

التعنيف يأخذ بيدك نحو ممرات سوداء تشبه الليل الطويل، “صفنات وحسبات” استرجاع مستمر للكلمات التي يتكرر صداها في الاذن حتى الأبد، ينسى المرء أحياناً كيف وقع في حفرة، وكيف تأثر جسده بذلك، لكنه لن ينسى ما قالت له أمه حينما وقع، فاعرفوا ما يجب أن تقولوا لأولادكم، في تلك اللحظات، وكل اللحظات. يقول سلام لوكالة الأنباء العراقية.

شاهد أيضاً

العام الدراسي الجديد.. مدارس مزدوجة ومخاوف من عودة المحظور

وفاء الفتلاوي ينطلق العام الدراسي الجديد، وسط نقص حاد للمدارس واستمرار الدوام المزدوج وتأكيدات من …

error: Content is protected !!