العمل الصحفي بين تطور الذكاء الاصطناعي و موت الحقيقة 

د. نبراس المعموري 

تعد الحقيقة من المعايير المهنية والاساسية التي لابد ان تعتمدها المؤسسات الصحفية والعاملون في هذا المجال اثناء اداء مهام عملهم ، وقد تعددت الآراء حول الحقيقة وظهرت مدارس وافكار متعددة تنظر إلى “الحقيقة” نظرةً مختلفة، فهناك من يربط الحقيقة بالوقائع مباشرةً وآخر يربطها بالخطاب الصحفي والإعلامي المنتج حول هذه الوقائع.

و في ظل التطور الكبير الذي طرأ على الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي والبيانات التي تغذيها ، تعرضت الحقيقة الى الموت التدريجي بسبب تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي مثل تقنية الدردشة النصية  “شات جي بي تي” (Chat GPT) على بيانات ضخمة مصدرها الإنترنت، والتي تحمل بطبيعتها تحيزات وأخطاء موجودة في المحتوى الذي ينشئه الإنسان، مما يؤدي إلى إدامة المعلومات المضللة، و طمس الخطوط الفاصلة بين الحقيقي والمزيف.

وعلى الرغم من نسبة الانتاج العالية والسريعة التي حققها التطور الحاصل في الذكاء الاصطناعي في اعداد التقارير الصحفية كما هو الحال في وكالة أسوشيتد برس حيث انجزت عام 2015  (3700 ) قصة عن الأرباح ربع سنوية عبر تقنية الذكاء الاصطناعي ، وهو الرقم الذي يعادل 12 ضعف مجموع ما كتبه مراسلو الأعمال بالوكالة، الا ان المعضلة التي تواجه المؤسسات الاعلامية و مدققي المعلومات هي كيفية الوصول الى نتائج مرضية تحقق الدقة والمصداقية في ظل قصور  تعلم الذكاء الاصطناعي تدقيق المعلومات والبيانات وتحديثها.

 وبحسب خبراء، فإن تلاشي الحقيقة في الذكاء الاصطناعي له عواقب بعيدة المدى، لا سيما في انتشار المعلومات المضللة، حيث يمكن للمقالات الإخبارية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تم إنشاؤها بواسطته، ان تنشر بسهولة معلومات خاطئة إلى جمهور واسع، ونظرًا لأن المحتوى الذي يتم إنشاؤه بطريقة الذكاء الاصطناعي يصبح أكثر إقناعًا، فقد يعاني الأفراد من صعوبة التمييز بين المعلومات الحقيقية والملفقة، كما يمكن أن يؤدي الى تآكل الثقة في صحة المعلومات وعلاوة على ذلك، يمكن لبعض الجهات استغلال المحتوى للدعاية والتلاعب، كما في حادثة انتشار مجموعة من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي المنتجة بالذكاء الاصطناعي لملك بريطانيا تشارلز وهو يحتفل ويرقص برفقة أشخاص آخرين على شاطئ وأخرى بجانب مسبح ويرتدي ملابس زاهية الألوان في امسية أقيمت بعد انتهاء حفل تتويجه ملكا للمملكة المتحدة.

إن التخطيط الصحيح والمدروس المبني على تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي من جمع البيانات وتصميم الخوارزميات لتحديد التحيزات وتصحيحها بشكل فعال، من شأنها تغيير مسار صناعة تدقيق المعلومات لتحقيق هدف مكافحة الأخبار الكاذبة وترسيخ الحقيقة، والطريق مفتوح أمام العقول من التقنيين والصحفيين معا في تطوير نسخة خالية من تحيز المعلومات،والمتفائلون بالتكنولوجيا، بمن فيهم مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، يتوقعون مستقبلًا ورديًا حيث كتب غيتس “بمرور الوقت، يمكن تعليم نماذج الذكاء الاصطناعي التمييز بين الحقيقة والخيال”.

الا ان التفاؤل بتعلم وتطوير الذكاء الاصطناعي واجه انتقادات ! حيث أعرب كبار علماء الكمبيوتر والرؤساء التنفيذيين التقنيين عن مخاوفهم مثل جيوفري هينتون  ، وبوشوا بنجيو،  وآلان تورينج، وسام التمان . من تحكم  آلة فائقة الذكاء بمصير البشرية ، وهذا سيؤدي إلى كارثة وجودية ، وحينها تكون الحقيقة في خبر كان !!  ما لم تلعب شركات التكنولوجيا  وباشراف دولي دورًا استباقيًا في معالجة انتشار المعلومات المضللة وبرمجة هذا التطور التكنلوجي بحذر ومسؤولية مع اهمية اعتماد الدول معيار مُلزِم عالمياً وفق الفرص والمخاطر و وضع مبادئ توجيهية أخلاقية تحد من مخاطر تطور الذكاء الاصطناعي غير المدروس.

#نبراس_المعموري

*كاتبة ورئيسة منتدى الاعلاميات العراقيات 

*رئيسة تحرير مجلة صوتها

شاهد أيضاً

هل يكفي 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة؟

د.نبراس المعموري قصة الشقيقات الثلاث باتريا ، ومينيرفا ، وماريا تيريزا ميرابال اللاتي قتلن في 25 …

error: Content is protected !!